ضريبة الثروات طريقة لاستعادة المنهوب.. وتأمين الموارد
في رحلة البحث عن الموارد، لم يجد أصحاب القرار الاقتصادي أمامهم سوى رفع أسعار المشتقات النفطية، لتخفض عجز الموازنة العامة، وتعويض النقص في الموارد، لتستتبع بموافقة «ميمونة» من قبلهم على زيادة نسبة الـ 5%، ولمدة ثلاث سنوات على جميع الرسوم والضرائب المعمول بها في الدولة، المباشرة منها وغير المباشرة، والتي ستصيب بنيرانها القاتلة على الشرائح المعدومة والفقيرة من المجتمع، لتزيدها فقراً
متجاهلين عن قصد المنابع الأخرى للموارد عند أثرياءٍ اغتنى أغلبهم بأساليب غير مشروعة، وجيوبهم أكثر إغراءً، وهذا ما دفع الشارع السوري للتساؤل عن أسباب الاصرار الدائم على تحميل الشرائح الفقيرة أعباء أي تحول اقتصادي أو ازمة اقتصادية كالتي نعيشها اليوم؟! في الوقت الذي تُرفعُ فيه الضرائب على الأثرياء في فرنسا لتقليل عجز الموازنة لديهم!..
«قرارات» لإفقار الفقراء
يتبجح الكثيرون على المستويين الحكومي والإعلامي في الحديث عن العجز المالي في الموازنة العامة، واضعين أي إجراء اقتصادي في خانة المتاح والمباح ولو كان على حساب إفقار فقراء البلاد، فاستباحة المحروقات، ورفع أسعارها بما لا طاقة للمواطنين بأغلبيتهم تحملها ضرورة بحسب هؤلاء، وعلى الجميع القبول بها، وكذلك هي حال زيادة الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة بنسبة 5%، إلا أن مكافحة من أفسدوا ودمروا الاقتصاد في السابق، فهذا اقتراح يرجم بألف حجر..
ليتحمّل الأثرياء وزر نقص الموارد؟
مسؤولون على اختلاف مستوياتهم، قالوا بصعوبة مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، وآخرون تحدثوا عن صعوبة إيجاد الأدلة الحسية المباشرة التي تثبت تورط هؤلاء بالفساد، إلا أن الثابت الوحيد، هو أن هناك من كدس الثروات خلال سنوات قياسية عبر توليهم المناصب في جهاز الدولة أو عبر مشاركة من هم خارج جهاز الدولة من المنتفعين وأصحاب رؤوس الأموال لهؤلاء في الفساد، أما اليوم، فهناك فاسدون من طراز «رفيع»، وهم تجار الأزمات في لقمة الشعب، وفي الليرة، وفي المحروقات، وفي كل شيء، وبدورهم يكدسون حالياً الثروات غير المشروعة، وهم بالتأكيد خارج دائرة المحاسبة، ولهذا يتساءل الكثيرون: إذا لم تكن محاسبتهم بالمتاحة، أليس من المنطقي مشاركتهم في حلحلة أزمة الاقتصاد ومعضلة نقص الموارد أسوة بباقي السوريين الذين امتصت دماؤهم؟! فهؤلاء من أصحاب الثروات، وفرض ضريبة على ثرواتهم غير المشروعة منها والمشروعة سيرسخ مشاركتهم لكل السوريين في تحمل وزر الأزمة الحالية على المستوى الاقتصادي، خاصة وأن هؤلاء هم من أكلوا «بيضة وتقشيرة الاقتصاد» في الماضي والحاضر، فإذا كان إفقار أغلبية السوريين مباحاً بقرارات رفع أسعار الغاز، والمازوت، والبنزين، والفيول... وووو، فلما لا يكون متاحاً ليس إفقار الأغنياء بل فرض ضريبة على ثرواتهم الفاحشة؟! والتي لن تفقرهم بأية حال من الأحوال مهما بلغت نسبتها!..
فرض ضريبة 1 – 3% على الثروات
عوضاً عن تطاول أصحاب القرار الاقتصادي على مداخيل الشريحة الفقيرة، والذين يمثلون أغلبية مطلقة، ألم يكن من الأجدى بهم البحث عن أقلية تمتلك ثروات طائلة جمعتها بشتى الطرق والوسائل المشروعة منها وغير المشروعة في الماضي والحاضر؟! فإحداث ضريبة تصاعدية على الثروات المنقولة وغير المنقولة على الأغنياء ليس بالأمر المعقد، بل إن القضية تتمثل في خصم 1% سنوياً لمن يمتلك ثروات من السوريين تتراوح بين 50 مليون ل.س إلى أقل من 300 مليون ل.س، كما يمكن فرض ضريبة سنوية بنسبة 1.5% على من يملك ثروات تتراوح بين 300 مليون ل.س إلى أقل من 500 مليون ل.س، وفرض ضريبة تصل إلى 2.5 أو 3% سنوياً على من يملك ثروة تزيد عن 500 مليون ل.س، أو فرض ضريبة موحدة على الثروات التي تزيد عن 50 أو 100 مليون ل.س بنسبة 2% مثلاً، أو فرض ضريبة مؤقتة بنسبة 50% على أصحاب الدخول المرتفعة التي تتجاوز 20 مليون ل.س سنوياً، وهذه كلها خيارات تمنح للدولة زيادة في إيراداتها بشكل كبير، وبما يساهم في ردم النقص الحاصل والفجوة الناشئة في الموارد من جراء الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد حالياً على المدى المنظور، بدلاً من تحميل الشرائح الفقيرة منفردة وزر الخروج من الأزمة الاقتصادية، وبما يحقق إعادة توزيع الثروة في البلاد بين الأغنياء والفقراء على المستوى الاستراتيجي، بدلاً من زيادة أسعار المشتقات النفطية أو سواها من القرارات، والتي ستعمق فجوة سوء توزيع الثروة الوطنية على مساحة البلاد بالمحصلة النهائية..
«ما قدر ع حماتو فعض مراتو»
لم تتوان أغلب دول العالم الأوروبية كـ (فرنسا واسبانيا وغيرهم) عن فرض «ضريبة على الثروة» لخفض عجز الموازنة في هذه الدول، حيث إن سقف الضرائب فى فرنسا تجاوز 100% من دخول الأثرياء خلال 2012، ولكي لا تحمّل الحكومة المواطن العادي الارتفاع في أسعار المحروقات وضعتها في خانة الأغنياء، بالإضافة إلى الحفاظ على ضريبة الـ75% الموظفة على كل دخل سنوي يتجاوز مليون يورو (1.25 مليون دولار)، أي أن الأغنياء هم من يتحملون وزر مثل هذه الأزمات والنقص في الموارد، على خلاف القرارات الاقتصادية ومهندسيها وصانعيها لدينا، والتي تتعامل مع أغلبية السوريين على مبدأ «ما قدر ع حماتو فعض مراتو»..
الغاز.. إيراد «خفيف».. بالسياسة «تقيل»
يبدو أن الحكومة لا تخطط للاستفادة من المليارات المكتسبة من حملات رفع الدعم الجزئية المتلاحقة، لأن حجم الإيرادات المحققة ليست كفيلة بالتأثير على حجم عجز الموازنة أو بمواجهة استحقاقات الأزمة.. فرفع سعر أسطوانة الغاز الأخيرة بمقدار 550 ل.س للأسطوانة سيحقق إيرادات إضافية للحكومة بمقدار 38,5 مليار ل.س فقط وذلك باعتبار أن حجم الاستهلاك السنوي من الأسطوانات يقدر بـ 70 مليون أسطوانة. لذلك نهنئ أيضاً الحكومة ومتخذي القرارات السياسية في الاقتصاد السوري في لحظة الأزمة بالتزامهم ببرامج «ضغط النفقات» الدولية و»تعبئة الموارد».. ومن المؤكد أنهم سينالون الرضى الدولي!!