«أزمة الاستيلاء العقاري».. ما لا يجرؤ أحدٌ على قوله! (1-2)
تهتزّ الولايات المتحدة على وقع ما يسمّى «بوّابة حبس الرهن»، وهي احتيالٌ ماليٌّ أسطوريٌّ في مداه يمسّ ملايين الأمريكيين، وتبلغ قيمته مئات مليارات الدولارات، إن لم يكن أكثر من ذلك. «جميع المصارف الكبرى متورّطةٌ ومئات الآلاف، لا بل الملايين من المالكين المهدّدين بالطرد متأثّرون». هنالك حالاتٌ عديدةٌ معروفةٌ لأسرٍ طردت من منازلها ولم تكن قد تأخّرت أبداً في تسديد رهوناتها. في كلّ مكان، وفي كلٍّ من وسائل الإعلام التقليدية والبديلة، يدور الحديث باستمرارٍ عن تزييف وثائق الرهونات، ويعدّ «أحدث طورٍ في جريمةٍ واسعةٍ ضدّ السكّان». هذا صحيح، لكنّه ليس سوى قمّة جبل الجليد، كما يقول المثل. تزييف وثائق الرهن ليس سوى مرحلةٍ نحو إنجاز الغاية الرئيسية للاحتيال. وهذا ما سيكشف عنه هذا المقال.
ترجمة قاسيون
ربّما كان مقال «البيت الأبيض والاحتيال عن طريق الرهن» المقال الأقرب إلى لبّ هذه القضية. إليكم المقطع الأهمّ والذي ينبغي أن نتوقّف عنده:
قبل الأزمة المالية للعام 2008، اجتذبت المصارف ملايين الأمريكيين عبر قروض رهونٍ عقارية عالية المخاطر، وذلك غالباً بأسعار فائدة «ملغومة» ترتفع بسرعةٍ بعد مدّةٍ معيّنة. كان محبّو إشعال الحرائق المغرمون بالأموال في وول ستريت يعلمون جيداً أنّه لن يكون بوسع المقترضين تسديد الأقساط، لكن على مثال جميع بناة أهرامات بونزي(**)، كانوا ينوون استثمار الاحتيال أطول فترةٍ ممكنة، واثقين من أنّ الحكومة ستدخل اللعبة في نهاية المطاف لتغطّي خساراتهم.
أدّى ذلك إلى قروضٍ سامّةٍ كان يتمّ تجميعها وتحويلها إلى منتجٍ ماليٍّ وبيعها، ما خلق بنيةً هائلةً من الديون، تستند إلى مؤسّساتٍ احتياليةٍ ومريبةٍ قانونياً ـ وصل عبرها قادة المصارف وكبار المساهمين إلى مستوياتٍ من الثروةٍ الشخصية تثير الدوار.
حين انهار هرم بونزي، أنقذت الحكومة الفيدرالية المصارف باستخدام آلاف مليارات الدولارات. بالتالي، أصبحت المصارف تسبح الآن في المال، وبلغت رواتب مديريها أرقاماً قياسية، سواءٌ في العام 2009 أم في العام 2010.
لكن، بالنسبة لملايين الأسر الأمريكية التي يمثّل المنزل مصدر ثروتها الوحيد، كان التأثير مدمّراً. لم يكن لما قامت به إدارة أوباما زاعمةً أنّه «إنقاذ منازل» والمستند إلى مشاركة المصارف إرادياً أيّ تأثيرٍ عملياً، إذ أدّى إلى تعديلٍ دائمٍ لأقلّ من خمسة آلاف قرضٍ نحو أواخر شهر أيار.
والنتيجة أزمةٌ واسعةٌ تتطوّر تباعاً. أثناء الربع الثالث، تلقّى نحو مليون منزلٍ أمريكي، أي منزلٌ من كلّ 139 منزلاً، إشعاراً بالحجز، كما استعادت المصارف أكثر من 100 ألف منزل. حجزت المصارف على نحو 2.5 مليون منزل منذ كانون الأول 2007. ولا أحد يعلم كم من عمليات الحجز هذه نجم من ممارساتٍ مصرفيةٍ لاشرعية واحتيالية.
السطو بالرهون العقارية
من الواضح تماماً أنّه لا يمكن أن يوجد حلٌّ لأزمة الإسكان إلاّ ضمن نضالٍ ضدّ صناعة المال وتابعيها في الحزبين السياسيين. ينبغي إجراء تحقيقاتٍ حول مجرمي وول ستريت المسؤولين عن عمليات السطو بالرهون العقارية وملاحقتهم، والحجز على ثرواتهم التي كسبوها بالاحتيال، وتوظيف أموالهم في توفير مساكن معتدلة الأسعار للعمّال.
كلّ شيءٍ موجودٌ تقريباً، يكفي وصل النقاط معاً واستخلاص رؤيةٍ إجماليةٍ منها تكشف الحكاية كلّها. يعود هذا التحايل وهذه الأزمة الاقتصادية إلى بضع سنواتٍ خلت، في حين بدأت تتجلّى مع انفجار القروض العقارية ذات المخاطر المرتفعة التي جزّئت قطعاً لتدخل في سوق المشتقات التي أعادت المؤسسات المصرفية والمؤمّنون وصناديق التقاعد الأخرى بيعها خارج قواعد النظام العقاري.
بعض المصارف (جي بي مورغن تشيس، بنك أوف أمريكا، ويلز فارغو) وشركات الإقراض (آلي، فاني ماي وفريدي ماك) أقرّت بأنّها قدّمت للقضاة الذين كانوا يحقّقون وثائق «غير كاملة أحياناً، جرى تسجيلها سهواً قبل الحصول على المعلومات الناقصة»، أي مزيّفة.
تظهر كلّ يومٍ معلوماتٌ جديدة، لكن دائماً يتمّ غضّ الطرف عن تفسير جوهر القضية.
نقلت صحيفة نيويورك تايمز أنّ بعض العاملين من الباطن لمصلحة خدمات الإقراض في مصرفي سيتي غروب وجي ماك كانوا منهكين أحياناً إلى درجة أنّهم كانوا يلقون في سلاّت المهملات بعض الوثائق. وكان موظفون متعاقدون آخرون في مصرف غولدن ساكس يعالجون ملفّات الحجز العقاري بسرعةٍ شديدة إلى حدّ أنّهم «كانوا يكادون لا يرون ما يوقّعونه».
وقد أكّد محامٍ من فلوريدا أنّ صناعة المال قد مضت إلى حدّ توظيف مصففي شعرٍ وأناسٍ عملوا على خطوط التجميع وموظفين في وول مارت لتسريع إقرار الاستيلاء المالي منذ العام 2007. هنالك ما يستدعي طرح أسئلةٍ تتّصل بكفاءة هؤلاء الناس لأنّهم لم يتلقّوا حتّى تأهيلاً. في إفاداتٍ رسميةٍ أصبحت علنيةً في الأسبوع المنصرم، شهد عددٌ من هؤلاء الموظّفين بأنّهم لم يكونوا يعرفون تقريباً ما هو الرهن. لم يكن بعضهم يستطيع تعريف عبارة «الإقرار المشفوع باليمين». كما لم يكن آخرون يعرفون ما هي الشكوى أو حتّى ما تعنيه عبارة ملكية شخصية. بل أسوأ، فقد أقرّ كثيرون بأنّهم كانوا يدركون بأنّهم يكذبون حين يوقّعون إقراراتٍ مشفوعةً باليمين لاستيلاءٍ مالي واتفقوا مع اتهامات محامي الدفاع بصدد تزوير المستندات.
واعترف موظّفٌ آخر بأنّ توقيع كلّ وثيقة استيلاءٍ ماليٍّ لا يستغرق منه إلاّ ثانية. «كنت رجلاً آلياً للتوقيع»، هذا ما أعلنه تام دوان الذي يعمل في بنك أوف أمريكا، في فرعٍ جنوبي كاليفورنيا. بطبيعة الحال، لم يكن لديه الوقت لقراءة الوثائق قبل أن يوقّعها وفي بعض الحالات، لم يكن يفهم أبداً ما هي تلك الوثائق التي كان يضع اسمه عليها. «لم تكن لديّ أدنى فكرةٍ عمّا أوقّع عليه»، قال دوان. «سواءٌ كنت هنا أم في الخارج».
ما هي بوّابة حبس الرهن؟
كي نختصر بسرعةٍ كبيرةٍ بوّابة حبس الرهن هذه ـ فضيحة الحجز ـ تكشّف مؤخّراً أنّ العديد من إجراءات الحجز العقارية في الولايات المتحدة فاقدةٌ تماماً للشرعية. يمكن أن يبدو ذلك أمراً بسيطاً في البداية. ظاهرةً سطحيةً لا تخصّ بقية الاقتصاد الأمريكي، ناهيك عن بقية العالم. لكن هل تتذكّرون آخر مرّةٍ جرى فيها الحديث عن مشكلةٍ صغيرةٍ زُعم أنّها «محلّية» في السوق العقارية الأمريكية؟ نعم، القروض الشهيرة العقارية ذات المخاطر المرتفعة...
بوابة حبس الرهن = 700 مليار دولار من الخسائر الإضافية المحتملة + 750 مليار دولار على سبيل العطل والضرر + 60 مليار دولار متأخّرات ضريبية.
ما الذي يجري هذه المرّة؟ حسناً، إنّه تاريخٌ مظلمٌ من الرهون والتسنيد والحجوز الظالمة. لحجز عقار والشروع بحبس الرهن الشهير، لابدّ من وجود قرضٍ ورهنٍ عقاري.
كانت قروض الرهن العقاري ذات المخاطر المرتفعة تُمنَح كيفما اتّفق. بين العامين 2004 و2007، استولى الجنون على السوق العقارية الأمريكية. هل مواردك محدودةٌ جدّاً؟ هل أنت مكرَهٌ على الجمع بين ثلاثة أعمالٍ صغيرةٍ ليكفيك دخلك حتّى آخر الشهر؟ لا يهمّ، إذ يلوّحون لك بمنزلٍ جميلٍ مسبق الصنع سيصبح بيتك الجميل. بلمح البصر، ها أنت تصبح مالكاً لحلم حياتك. هكذا مُنحت ملايين القروض العقارية... ولم تكن المصارف متطلّبةً حقاً.
ثمّ أتت الأزمة. تكاثرت حالات الحجز. وبما أنّ طواقم العمل في مؤسسات الإقراض كانت منهكة، فقد حدثت بعض عمليات الحجز بأسلوبٍ مجحف. دافع الناس عن أنفسهم قدر استطاعتهم، واستعانوا بمحامين. هذا ما كنت ستفعله لو كنت في مكانهم.
ورفع المحامون أرنب سباق، أرنباً هائلاً، قيمته 700 مليار دولار.
ما الذي جرى؟ تسنيد ـ ينبغي القول إنّ التسنيد جزءٌ من كلّ العمليات الاحتيالية. كان المقرضون يريدون التمكّن من كسب المال بالقروض لتكوين السندات المدعومة بالرهن، هل تتذكّر؟ بطبيعة الحال، كان الأمر يتعلّق بتوزيع المخاطر... لقد جنى المصرفيون أموالاً طائلةً بفضل هذه المنتجات المالية التي باعوها بوصفها «آمنة» لأنّهم كانوا يستندون إلى شيءٍ حقيقي، عقارات حقيقية.
لتسهيل هذا التسنيد، لجأ النظام المالي إلى مكرٍ... غير شرعي.
كلفة تسجيل الرهن كبيرة. لاسيّما إذا أكثرتَ من نقل رهنك وضمّنته منتجاتٍ مسنّدة.
لذلك، قرّرت المصارف الكبيرة وهيئتا القروض العقارية الرئيسيتان الأسطوريتان فريدي ماك وفاني ماي في العام 1997 خلق هيئةٍ تسمح لهما بتجنّب إجراءات تسجيلٍ طويلةٍ ومكلفة.
الهيئة الأولى هي MERS، وهي نظامٌ مأتمتٌ يسمح بتسجيل عمليات شراء وبيع الرهون العقارية ـ ونشأ من ذلك توفيرٌ كبيرٌ في نفقات التسجيل.
في العام 2008، دقّت الرهون العقارية ذات المخاطر المرتفعة ناقوس الجنون العقاري. وانفجر حرفياً عدد إجراءات الحجز. تمّ توقيع قرارات حبس الرهن بكلّ قوّة... فكشفت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ موظّفين في جي ماك هوم مورتيج ومصرف جي بي مورغن قد أقرّوا في شهاداتهم توقيعهم 10 آلاف وثيقة شهرياً. كلّ ذلك من دون مراقبةٍ حقيقيةٍ وخصوصاً من دون أيّ احترامٍ للقواعد المحدّدة للحجز العقاري. (المصدر: بوّابة حبس الرهن: الفضيحة المالية الجديدة التي قد تدمّر الاقتصاد العالمي).
الفضيحة الحقيقية
على الرغم من أنّ الكدر الذي يثيره ذلك الأمر كافٍ، فهو ليس سوى الجزء المرئي من جبل الجليد. والفضيحة الحقيقية التي لا بدّ من شرحها للجميع هي التالية: منذ العام 2009 على الأقل، كان من المعروف أنّ المصرفيين يعيدون بيع الرهون نفسها مرّاتٍ عدّةً. والفضيحة هي أنّ «السندات المدعومة بالرهن» كانت احتيالاً يعيد بيع الرهون نفسها لمستثمرين مختلفين مرّاتٍ تصل إلى عشرين مرّة.
في النظام المالي، السند المدعوم بالرهن أو سند الرهن العقاري هو قيمةٌ عقاريةٌ تستند إلى موجودات. إنّه شكلٌ من أشكال السندات المدعومة بالموجودات. وقيمة إعادة بيعها مضمونةٌ على وجهين: مجموعة من حصص الرهون العقارية والفوائد المدفوعة على هذه الرهون.
تمثّّلت الطريقة الوحيدة الكفيلة بجعل هذه الضربة تعمل في جعل الرهون العقارية عاجزة، بهدف وضع حدٍّ لمطالب المستثمرين في استرداد أموالهم، في حين ذهب فائض الأموال الناجم من البيع المتكرّر اصطناعياً إلى جيوب المصرفيين والخبراء الماليين. بعباراتٍ أخرى، باعت المصارف تلك «السندات المدعومة بالرهن» بربحٍ بلغ 1000 بالمائة ثمّ احتاجت إلى أن تنهار، فرفعت قيمتها عمداً كي تنهار لإخفاء آثارها. حينذاك، ما إن خفضت الحكومة والمصرف المركزي (الخاص)، البنك الفيدرالي، أسعار الفائدة لخلق فقاعةٍ ماليةٍ جديدة عبر تشجيع الأمريكيين على شراء المنازل التي لم تكن لديهم الإمكانية لدفع قيمتها حتّى نشأت أزمة الرهون العقارية ذات المخاطر المرتفعة. كانت الحكومة الأمريكية، في عهد بوش، ومكتب التحقيقات الفيدرالي يعرفان جيّداً منذ وقتٍ طويلٍ أنّ عدداً مخيفاً من الرهون العقارية الاحتيالية قد مُنحت لأناسٍ لا تتوفّر لديهم الإمكانات الكافية لدفع قيمة منزلٍ مكلف. فقرّرت الحكومة غضّ الطرف وهي لا تزال حتّى اليوم تحمي المصارف بدل أن تحمي الناس.
المضحك في الأمر أنّ وول ستريت كانت على ما يبدو على اطّلاعٍ كاملٍ على هذه التلاعبات المتسلسلة منذ العام 2007، حين وجب عرض حصيلةٍ إيجابيةٍ على الرغم من الكساد. وذلك ببساطةٍ بسبب معجزةٍ من معجزات الليبرالية، هي أنّ شركة كلايتون القابضة، التي تحتكر احتكاراً شبه كاملٍ تدقيق المصارف وشركات التأمين التي تتلاعب بالرهون العقارية ولاحظت آنذاك أنّ 28 بالمائة من القروض المدروسة غير نظامية. من بين قروض بنك أوف أمريكا المدققة والتي بلغ عددها 10200 قرض، كشف المكتب أنّ 30 بالمائة منها لا يتوافق مع القواعد. لكنّ النسبة كانت 37 بالمائة من أصل 56300 قرض منحها مصرف كريدي سويس، و27 بالمائة لجي بي مورغن، و23 بالمائة لغولدمان ساكس، و35 بالمائة لفريدي ماك. أمّا الرهون التي كان مصرف سيتي غروب يريد شراءها في ذلك الحين، فقد كشفت كلايتون أنّ 42 بالمائة منها مهددة بعدم التسديد.
لكن كي نستكمل الموضوع، ينبغي أيضاً إيضاح أنّ كلايتون القابضة هي اليوم في قلب الفضيحة، بعد اتهامها بتحقيق تدقيقٍ نادرٍ في تراخيه في المهنة، وهذا أمرٌ غير بسيط.
ويبدو أيضاً أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي كان مطلعاً منذ العام 2006 ـ وربما منذ العام 2004 ـ على فوضى الإجراءات التي تواجه المصارف وما شابه. فقد نشر تقريراً بعنوان: «تقرير الاحتيال في قروض الرهون العقارية للعام 2006»، انتقد فيه بصرامةٍ «صناعة قروض الرهون العقارية»، لاسيما في كاليفورنيا وفلوريدا وجورجيا إلخ. (ولايات تعاني اليوم معاناةً كبيرةً من أزمة القروض العقارية ذات المخاطر المرتفعة والحجز العقاري). منذ العام 2006، شرح مكتب التحقيقات الفيدرالي أنّ 30 إلى 70 بالمائة من حالات العجز عن التسديد من أصل 3 ملايين قرض تمّ تحليلها مرتبطة بخللٍ في منح القروض..
حماية الاحتيال
يبدو أنّ تعريض ملايين الأمريكيين عمداً لخسارة منازلهم كان ثمناً بخساً مقابل حصّتهم من الغنيمة. ليست الاسترجاعات المالية سوى عاقبةٍ محدودةٍ لهذا الاحتيال ومن المهمّ ألاّ نخطئ حين نفكّر بأنّ تلك هي جريمتهم الوحيدة.
لقد قدّمت الدولة دعمها للمصارف وتطلب من هيئات الإقراض العقاري بمواصلة عمليات الحجز وذلك «دونما مهلة». توجّه أصابع الاتهام إلى شركةٍ تدعى MERS (أنظمة تسجيل القروض العقارية إلكترونياً) أسستها أواخر التسعينات اثنتان من كبرى مؤسسات الإقراض العقاري العامة، فاني ماي وفريدي ماك، بأنّّها أصل النصب والاحتيال. وقد سمحت الشركة لنفسها بالقيام بعمليات حجز من دون طلب رأي القضاء، بما في ذلك حين كان الأمر يتعلّق بسندٍ قانوني. في بعض الحالات، بلغ من شدّة الانتهاكات أنّ موظّفيْن أو ثلاثةً من مصارف مختلفة قد طالبوا بمفاتيح المنزل نفسه قبل الحجز عليه.
من بين الممارسات الاحتيالية التي تمّ الكشف عنها: شهد موظفو مصارف وموظفون في شركات مقاولة من الباطن أنّهم اطّلعوا شخصياً على بعض الملفات وتزوير التواقيع وأختام كاتب العدل وتعديل الوثائق، كما اطّلعوا على بيانات ملكية أصدرتها مصارف لمنازل لم يكن لها أيّ حقٍّ عليها.
تلقّت وسائل الإعلام التابعة لكبرى الشركات أمر المضيّ قدماً وفضح ملف استرجاع الأموال، لكن مع حماية الاحتيال الأصلي الذي قامت به المصارف. الوسيلة الوحيدة الكفيلة بالسماح بعمل احتيال المصرفيين هي الدفع العمد لانهيار سوق العقارات وإغلاق كافة الملكيّات بهدف طمس الآثار. إنّها الفضيحة الحقيقية التي تحاول وسائل الإعلام تلك بأيّ ثمنٍ منعك من فهمها.
يظهر أنّ عدداً معتبراً من القروض والرهون العقارية قد أعيد بيعها لعدّة مستثمرين، مرّتين أو ثلاث مرّات وفق المقال المذكور، في حين لم يكن ينبغي بيعها إلاّ مرّةً واحدة. هكذا قبض المصرفيون مليارات الدولارات كأرباحٍ ثمّ شرعوا في ثورةٍ من الاسترادادات المالية لطمس آثارهم عبر وضع حدٍّ لكلّ مطالبات مستثمري قبض الأرباح على تلك الرهون العقارية. وقد أكّد أستاذا الاقتصاد وليام بلاك وراندال راي، اللذان تحدّثا عن حالة بير شترنز، أحد أكبر لاعبي هذا الانهيار المفاجئ، أكّدا قصّة بيع الرهون نفسها لعددٍ من المشترين.
لقد عارضت إدارة أوباما المطالبات بإجراء تأجيلٍ لعمليات حجز العقارات على الرغم من المعلومات التي كشفت أنّ المصارف قد عالجت معالجةً غير شرعية وثائق رهون عقارية بهدف التوصّل إلى طرد الأسر والحجز على منازلها.
لا شيء يمكن أن يبرهن على نحوٍ أفضل أيّة مصالح طبقية يخدمها البيت الأبيض. لقد انتهكت المصارف الكبرى القانون انتهاكاً منهجياً، ولاحقت عدداً غير معروفٍ من الأسر، وتمثّل ردّ فعل إدارة أوباما في حماية المجرمين.
* فرانسوا مارجينيان: تقني في الهندسة المعمارية وباحث مستقل..
** إشارةً إلى شارل بونزي، وهو أمريكي من أصلٍ إيطالي قام بأكبر عملية احتيالٍ في عشرينات القرن العشرين. وقد أصبح اسمه رمزاً للوعود المالية الكاذبة، فيقال: سلسلة بونزي، وأهرامات بونزي (م).