مفاصل «ليبرالية» أفقدتنا زمام المبادرة..

مفاصل «ليبرالية» أفقدتنا زمام المبادرة..

النموذج الليبرالي أثر على مستوى مناعة الاقتصاد السوري في وقت الأزمات، وهو ما ظهر في الأزمة الاقتصادية الحالية فمجموعة من المستحقات الاقتصادية كانت تحتاج دوراً فاعلاً ومتحكماً للدولة إلا أن عملية سحب القدرات والأدوات من جهاز الدولة خلال العقد الماضي، أبقت فقط على قدرة قوى الفساد بداخله على التحكم والتسيير

وهو ما يصعب معركة السوريين مع الظرف الاقتصادي المتراكب مع الأزمة الوطنية، ويجعل مهمة القطع مع الليبرالية وقطع دابر الفساد مهمة ملحة لتجاوز الأزمة الوطنية..
الموارد ومصادرها، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية الخارجية مفصلان رئيسيان من مفاصل التحكم الاقتصادي التي خسرتها الدولة مع الليبرالية.. والتي كان الطرح البديل ولا يزال يقدم رؤية حولها تتجاوز المشاكل وتقدم الحلول.

الموارد ومصادرها..

ليبرالياً
الموارد في النموذج الليبرالي مفهوم واسع يشمل "أي مال من أي مصدر وبأي اتجاه"، وفي الليبرالية السورية أصبحت الاستثمارات الأجنبية هي هدف السياسات الاقتصادية وهي عمود النمو والمصدر الوحيد للموارد، وكانت نتيجة هذا تدفقت الاستثمارات الأجنبية لتتركز في قطاعات خدمية محددة، بينما تراجع مجمل الاستثمار العام، وتحديداً في القطاعات الحقيقية.
الأثر في الأزمة
 اعتماد الاستثمار الأجنبي كهدف، ينتج عنه خلل وضعف في التحكم، ويتمثل الخلل بغياب إمكانية تخطيط الاستثمار وتوجيهه نحو القطاعات الحقيقية التي تؤدي إلى إنتاج النمو الحقيقي.
أدت هذه السياسة إلى ترسيخ ضعف الإنفاق الاستثماري للدولة وانسحابها من العملية الإنتاجية إلى الحد الأدنى، وابتعاد سورية عن منطق الإكتفاء الذاتي، الذي يتطلب استثمار موجه، وهو ما أدى إلى عدم قدرة الدولة على ملء الفراغات التي ولدتها الأزمة.
البديل
يقترح النموذج ما قبل الأزمة ضرورة رفع التراكم (التوظيفات الاستثمارية الجديدة) في القطاعات الإنتاجية الحقيقية إلى 30% من الدخل الوطني. مع التركيز على كل الاتجاهات النوعية لهذه الاستثمارات والتي تتراوح بين المشاريع العملاقة التي تعتبر من مهمة الدولة فقط، وصولاً إلى المجمعات الصغيرة الزراعية-الصناعية.

العلاقات الاقتصادية الخارجية..

ليبرالياً
رسخ عقد الليبرالية في سورية التركيز على التجارة الخارجية باعتبارها قاطرة النمو، وهو ما يتوافق مع تراجع الإنتاج المحلي على كل الصعد وعدم وضع خطط فعلية تاريخياً لتخفيف حصة الاستيراد من مستلزمات الصناعة المحلية كما تم في مرحلة ما في قطاع الزراعة وأيضاً آل إلى التراجع وتكثيف حصة الاستيراد..
فكان تحرير التجارة سحباً لواحدة من مفاصل الضبط الاقتصادي، وأداة من أدوات خلق التوازن بالتحكم. وتحرير التجارة عمق العلاقة القديمة الوطيدة في التجارة الخارجية في سورية مع الغرب ومع اوروبا تحديداً، ليضاف إليها دول الخليج العربي كشريك رئيسي وتركيا حديثاً، مع ما ينجم عن أحادية التوجه من علاقات سمسرة وإفساد..
الأثر في الأزمة
 أثر تحرير التجارة على الزراعة والصناعة السورية والورش والحرف، أثر واضح ويرتبط في كثير من المناطق بشكل مباشر مع التدهور الاقتصادي الاجتماعي وبالنتيجة مع ولادة الاحتقان الشعبي. ولكن أثر طبيعة هذه العلاقات الخارجية من حيث نوعها ووجهتها، شكل عاملاً أساسياً في مفاقمة العقوبات الاقتصادية، فالعقوبات على التجارة من الدول الغربية والشركاء التجاريين السابقين، جعلت عملية خلق البدائل في لحظة الأزمة أكثر صعوبة، وكلفة.
البديل
 التجارة لايمكن أن تكون قاطرة النمو وإنما هي عملية مكملة لعملية توليد النمو الداخلي والسعي للاكتفاء، لذلك فإن تحرير التجارة يتناقض تماماً مع هذا الدور، فلا يمكن الانطلاق من التجارة نحو النمو، وإنما العملية بالعكس ضرورات النمو تحدد وجهة التجارة ونوعها. أما وجهة التجارة نحو الغرب فهي مكلفة اقتصادياً في ظل علاقات تبادل غير متكافئة، وجاء في الرؤية البديلة وبالانسجام مع رؤية "الشرق العظيم" أن الاتجاه نحو الشرق هو اتجاه موضوعي في الحالة السورية حيث تشكل دول المنطقة الممتدة من قزوين إلى المتوسط تاريخياً إقليماً قادراً على تحقيق الاكتفاء بتكامله، وقابل للتوسع إلا انه الوجهة الأجدى طبيعياً واقتصادياً وسياسياً..

اتضح خلال الأزمة السورية أن الفساد أحد أهم العوامل التي تفاقم من صعوبة الوضع الاقتصادي. وأبعد من ذلك فإن الفساد ما قبل الأزمة هو أحد أهم مسبباتها، ومسببات استمرارها وإعاقة حلها حلاً سياسياً، نورد بعضاً مما جاء في الموضوعات البرنامجية حول الفساد والليبرالية وعلاقتهما بالأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي.
« قوى الفساد لا مصلحة لها في تطور الحركة السياسية في البلاد، وهي عملياً تضع العراقيل المختلفة في هذا الاتجاه بحجج مختلفة، وخاصةً تحت ستار الحفاظ على الاستقرار مع أن ما يهدد استقرار البلاد في الحقيقة هو حجم النهب والفساد الذي يستخدم السياسات الاقتصادية الليبرالية لقوننة نهبه غير المشروع.
وبالنهاية: «إن محاربة الفساد والنهب اللذين يطالان الدولة والمجتمع هي مهمة وطنية من الدرجة الأولى، فلم يعد من الممكن حل أية مهمة اقتصادية- اجتماعية منتصبة أمام البلاد دون الحد من الفساد والنهب واجتثاثهما وتحويل مواردهما نحو التنمية الشاملة»