خلال الحرب: أكثر من ١٠ ملايين سوري.. طوقهم الفقر المطلق
أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا أن 18 مليوناً من السوريين فقراء!
وهؤلاء -إن صحت النسبة- يشكلون نسبة 86% من السوريين بحسب تعدادهم البالغ في عام 2010: 20,8 مليوناً من المقيمين داخل البلاد.
خلال الأزمة لم تنشر الحكومة أي رقم، ولا نعلم إن كانت تحتسب أم لا! حتى أن أرقامها المنشورة سابقاً متضاربة، بين نسبة 44% (حوالي 8,8 ملايين) ونسبة 24% للفقر العام (حوالي 4,8 ملايين) في سورية بين أعوام 2004-2010.
إن أرقام الفقر السورية المتوسطة التي يعتبر احتسباها ضرورة لتقيس مستوى التدهور الذي طال السوريين خلال سنوات الحرب الثلاث، فانتقال 10 مليون سوري، أو 14 مليون سوري إلى دائرة الفقر خلال ثلاث سنوات هي ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ السوري، وأوضحت نتائجها الأولية أن 40% من السكان فقدوا منازلهم، وأكثر من مليونين منهم في مخيمات للجوء خارج البلاد، وأن أكثر من نصف أطفال سورية خارج مدارسها، وأغلبهم يعملون.. وأن عداد الضحايا الذين يدفعهم الفقر بشكل أساسي للانخراط في العنف لا يزال يسجل ارتفاعات، ليفوق وفق التقديرات الدولية 150 ألف ضحية..
سنحاول أن نقيس الفقر (نقدياً) أي بأرقام الدخل وهو ما يعتبر قياساً أوليااً بسيط لا يعبر عن الفقر الحقيقي الأوسع، الذي تدخل فيه مؤشرات الحرمان والتنمية المتعددة التي لم تستثن أحداً من السوريين، إلا صناع الحرب والمرتزقين منها.
خط فقر الأمم المتحدة
يحدد خط الفقر الأعلى لدى الأمم المتحدة بمن يحصل على 2 دولار يومياً، أي أن أسرة من خمسة أشخاص تحصل على 300 دولار شهرياً. أما خط الفقر الأدنى أو المطلق فيحدد وفق الأمم المتحدة بمن يحصل على 1 دولار يومياً، أي أن أسرة من خمسة أشخاص تحصل على 150 دولار شهرياً، ووفق سعر صرف (150 ل.س/$) فإن خطوط الفقر وفق الأمم المتحدة للأسرة في سورية المكونة من خمسة أشخاص وسطياً هي كالتالي:
• خط الفقر الأدنى (المطلق) الدولي: 22500 ل.س للأسرة شهرياً.
• خط الفقر الأعلى (العام) الدولي: 45000 ل.س شهرياً.
وسنعمد إلى مقياس سوري لنرى مستوى دقة هذا الرقم واقترابه من الواقع..!
خطوط فقر من الإحصاء الرسمي
أعيد نشر دراسات حكومية في العام الماضي وهي صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء بتاريخ 18-6-2013 حول التوزيع والفقر في سورية، والتي تعتمد في عام 2013 أرقام ودراسات عام 2009!! حيث يذكر فيها المكتب المركزي للإحصاء اعتماده في تحديد أرقامها على مسح لدخل ونفقات الأسرة السورية عام 2009، والمتضمن بحسب الدراسة معلومات غنية عن أنماط الأسرة السورية ومصادر دخلها، لعينة من 240 ألف أسرة من الريف والمدينة في كل المحافظات السورية، والمعلومة الأهم التي سنأخذها من التقرير هي المقياس المحلي لخطي الفقر الأدنى والأعلى.
تعرف الدراسة الفقر المطلق، والعام، متوافقة مع التصنيف العالمي، ومقدرة بالأسعار وأنماط الإنفاق المحلية:
• خط الفقر الأدنى (المطلق): «مستوى الدخل أو الإنفاق اللازم للأسرة أو الفرد لتأمين الحاجات الغذائية وغير الغذائية الأساسية، والحاجات غير الغذائية الأساسية هي التي تتعلق بالمسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات»: 2378 ل.س شهرياً للفرد، أي حوالي 11890 ل.س للأسرة تستطيع أن تؤمن بها الحاجات الغذائية وغير الغذائية الأساسية لخمسة أفراد في عام 2009.
• خط الفقر الأعلى (العام): «يعكس نفقات الاستهلاك الحقيقية للفقراء وليس فقط الاحتياجات الأساسية وهو ما يعكس المستوى اللازم للوفاء وبحد معقول من الاحتياجات الأساسية»: 3271 ل.س شهرياً للفرد، أي حوالي 16350 ل.س للأسرة، هي الحد الأدنى لتأمين حاجات أساسية أوسع من المذكورة في معيار الفقر المطلق، لخمسة أفراد أيضاً.
وقد ذكرت هذه الدراسة أن متوسط إنفاق الأسرة السورية في عام 2009 بلغ 30944 ل.س، أي أن الأسر التي تعاني من الفقر المطلق كانت تحتاج إلى 19 ألف ل.س لتؤمن الإنفاق الوسطي، أما الأسر التي تعاني من الفقر العام فكانت تحتاج إلى حوالي 14 ألف ل.س.
خطوط الفقر الرسمية بعد الحرب
تغيرت بالتأكيد معايير الفقر في سورية، وتوسع إطار الفقراء إذا ما قيس الفقر بالحرمان بوجوهه، وعملية تقديره تحتاج إلى مسوح شاملة ونوعية يجريها جهاز الدولة، وهذا غير متوفر في الظروف الحالية، وفي مستوى التقاعس الحكومي العام، ولكننا نستطيع أن نقدر أين وصلت هذه الخطوط الرسمية بتعديلها بمستويات ارتفاع الأسعار الحالية.
• متوسط إنفاق الأسرة السورية الذي يبلغ وفق الدراسة 30944 ل.س في عام 2009، يفترض أن يتضاعف بحسب ارتفاعات أسعار المواد التي تنفقها الأسرة، وبناء على تقدير ارتفاع المستوى العام للأسعار بوسطي 200% ، أي تضاعف الأسعار لمرتين فإن متوسط إنفاق الأسرة يفترض أن يبلغ بالحد الأدنى: 90000 ل.س
(احتسبت قاسيون في العدد رقم640 معدل التضخم الفعلي بناء على تغير أسعار مجموعة من السلع والخدمات الرئيسية، بالإضافة إلى تراجع قيمة الليرة السورية، وارتفاع سعر الذهب، والتي كان متوسطها ارتفاعاً بمعدل 200% بين 2010 و2013، وسنعتمده كطريقة لاحتساب تغيرات خط الفقر الأدنى والأعلى) ولاحتساب خطوط الفقر وفق المعايير الرسمية فإننا سنعتمد أرقام 2009 نفسها، مع مضاعفتها مرتين.
• خط الفقر الأدنى (المطلق) الرسمي: 35670 ل.س للأسرة شهرياً.
• خط الفقر الأعلى (العام) الرسمي: 49050 ل.س للأسرة شهرياً.
خط فقر واقعي
لمطابقة هذه الأرقام مع الواقع نستطيع أن نحتسب خط الفقر الأدنى أي الدخل اللازم للأسرة لتؤمن الحاجات الغذائية وغير الغذائية الرئيسية وهي محددة وفق الدراسة وبناء على المعايير السورية بالمسكن والملبس والتعليم والصحة والمواصلات.
• الغذاء: قاسيون احتسبت كلفة السلة الغذائية في عددها رقم 613، وفق عدد الحريرات الضرورية التي تبلغ 2400 حريرة ( والتي أرساها تقرير مؤتمر الإبداع والتطوير لنقابات العمال كمؤشر للغذاء الضروري وقياس الأجور في أزمة الثمانينيات) لتبلغ تكلفة الغذاء الضروري للأسرة السورية بأسعار شهر 7-2013: 27900 ل.س، وتبلغ 30 ألف ل.س إذا ما أضفنا كلفة المشروبات الرئيسية (الشاي والقهوة).
• السكن: وسطي أجار مسكن في مناطق السكن العشوائي في دمشق: 20 ألف ل.س (وسنفترضها موزعة على عائلتين)
• التعليم: وسطي تكلفة تجهيز ثلاثة طلاب لبداية العام الدراسي فقط موزعة على أشهر السنة تبلغ بالحد الأدنى 1038.(احتسبتها قاسيون في العدد رقم 620)
• النقل: وسطي تكلفة النقل 4500 ل.س شهرياً (باحتساب حركة 3 أشخاص من الأسرة فقط، بكلفة 20 ل.س فقط للفرد يومياً).
• الصحة: وسطي معاينة شهرية 1500 ل.س.
• الملابس والأحذية: وسطي 1000 ل.س شهرياً.
بناء على هذه التقديرات المخفضة فإن تأمين حاجيات أساسية (غذائية وغير غذائية) بالحد الأدنى لأسرة يبلغ: 38 ألف ل.س ومع تكلفة المسكن فإن الرقم يصل إلى 48 ألف ل.س.
خط الفقر الأدنى (المطلق) الواقعي: 48000 ل.س لأسرة مكونة من خمسة أشخاص.
أصحاب الأجور/ الأرباح :الناجون من الفقر/ والرازحون تحته
لا تصدر الحكومة أرقاماً لشرائح الدخل في سورية، وسنحاول أن نقدر من هي الفئات القادرة على النجاة من الفقر المطلق الذي يطوق أغلب السوريين، بالاعتماد على التصنيف الرئيسي: أصحاب الأجر، وأصحاب الربح.
أصحاب الأجور: بلغ تعدادهم 3,2 ملايين عامل في عام 2010، ومتوسط دخلهم 20 ألف ل.س وبمقارنة خطوط الفقر مع متوسط الدخل:
خط الفقر الأدنى الدولي 22500 ل.س متوسط الأجور السوري
خط الفقر الأدنى الرسمي 35000 ل.س 20000 ل.س
خط الفقر الأدنى الواقعي 48000 ل.س
بناء على مقارنة خطوط الفقر مع متوسط أجور السوريين العاملين بأجر، فإن هؤلاء مع أسرهم فقراء وفق الخطوط والمعايير كافة، ويحتاجون إلى دخلين لتجاوز خط الفقر الواقعي وتأمين الغذاء والحاجات الضرورية.
يبلغ التعداد الوسطي لأصحاب الأجر مع أسرهم: 3,2 مليون × 5= 16 مليون سوري (من ضمنهم النسبة الأعظم من العاطلين عن العمل خلال الأزمة، وأغلب النازحين داخلياً وخارجياً)
بالتالي نستطيع القول إن أصحاب الأجور هم ضمن الفقراء بالمطلق في سورية.
تعداد أصحاب الأعمال في 2010 213000
تعدادهم مع أسرهم 1 مليون شخص تقريباً
أصحاب الأعمال هم مالكو المنشآت الاقتصادية وغير العاملين فيها أي أصحاب الأرباح، وقد يكون تعدادهم قد تراجع خلال الأزمة، وقد يشكلون جزءاً هاماً من المهاجرين طوعاً والبالغين 1,5 مليون مهاجر، ولكن بافتراض بقاء نسبتهم ذاتها من إجمالي القوى العاملة، حيث مقابل هجرة جزء من رجال الأعمال، ظهر الكثير من أثرياء الحرب، والحاصلين على أرباح غير مشروعة، وهؤلاء مع أسرهم هم بالغالب المليون السوري خارج دائرة الفقر التي طالت الجميع..
الناجون: مليون سوري فقط..!
تقدر الأمم المتحدة بأن حوالي 18 مليون سوري هم ضمن دائرة الفقر العام (الأعلى) أي الأسرة تحصل على 45000 ل.س شهرياً، ووفق تقديراتنا فإن هؤلاء هم ضمن دائرة الفقر المطلق (الأدنى) فمبلغ 48 ألف ل.س لا يكفي لتأمين الحاجات الغذائية وغير الغذائية الضرورية (المسكن والملبس والصحة والتعليم والنقل).
بالتالي فإن أكثر من 18 مليون سوري هم ضمن دائرة الفقر المطلق، ونسبتهم 86% من إجمالي السوريين المقيمين والذين بلغ تعدادهم الرسمي 20,8 مليون خلال عام 2010، وإذا ما اختصرنا منهم حوالي 1,5 مليون مهاجر طوعاً خلال الأزمة (وفق المفوضية السامية للاجئين) يتبقى حوالي مليون سوري فقط خارج دائرة الفقر المطلق.