صندوق دعم الزراعة.. (رفع عتب)
أشار وزير الاقتصاد محمد خضر أورفلي، إلى فقدان منتجات زراعية مساحات كبيرة من الأراضي، وعدم تمكن الفلاحين من جني محاصيلهم، وتراجع قيمة الإنتاج لأكثر من 90% عن 2011، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن الإنتاج الزراعي في سورية تراجع إلى النصف..
الإنتاج الزراعي في سورية اقترب من الانهيار، فقد وصلنا إلى استيراد الطحين، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد التي كانت صادرات القمح السوري تشكل جزءاً من فوائضها..
"صندوق الدعم" بحالة موت سريري
في مطلع عام 2009، بدأ صندوق الدعم الزراعي عمله بشكل فعلي، وتمثلت مهامه في تقديم مبالغ الدعم لتحقيق السياسات الزراعية، وذلك في ظل تحولات اقتصادية ليبرالية انتهجتها الحكومات السابقة تتطلب تقديم مثل هذا الدعم، كقرار رفع أسعار المازوت في عام 2008، وتحرير أسعار الأسمدة في عام 2009، مما تسبب في رفع تكاليف الإنتاج الزراعي، الأمر الذي شكل عبئاً كبيراً على الفلاحين، وأدى لارتفاع تكاليف الإنتاج، فالصندوق من حيث المبدأ، يهدف لسد العجز الحاصل في تكاليف الإنتاج الزراعي لدى الفلاحين بعد رفع أسعار مدخلات العملية الإنتاجية، لأن عدم التعويض سيعزز من احتمالات هجر الفلاح لأرضه، وستفشل السياسات الاقتصادية في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي إذا ما كان هذا هدفها فعلاً حسبما تقول..
فرضيتان
القول بسياسات حكومية ناجحة تخدم القطاع الزراعي والفلاحين على حد سواء، يرتبط بوجود عاملين اثنين، أولهما تعزيز عمل صندوق الدعم الزراعي عبر زيادة موازنته سنوياً، أو اليتراجع عن سياسات تحرير أسعار المشتقات النفطية، أو الحفاظ على استقرار مدخلات عملية الإنتاج الزراعي (الأسمدة، أسعار المبيدات، اجور عمال، وتكاليف النقل)، وهذا إذا ما كانت الظروف الاقتصادية والسياسية مستقرة، وفي هذه الحال نسأل: فكيف ستكون الحال في مثل الظروف التي نعيشها اليوم؟! ألا يحتاج المزارع إلى دعم مضاعف لكي نحافظ على استمرار الفلاح في العملية الإنتاجية؟! ولكي يتحقق الاكتفاء الذاتي في المحصلة النهائية..
قرارات حكومية تثقل الزراعة!
في الشهر الأول من عام 2013 رفعت الحكومة سعر المازوت بنحو 10 ل.س إلى 35 ل.س لليتر الواحد، ليترفع السعر مجدداً في الشهر السادس من العام ذاته إلى 60 ل.س، على الرغم من معرفة الجميع بأن مادة المازوت من المدخلات الرئيسية المؤثرة في عملية الإنتاج الزراعي، وعلى الرغم من ذلك، رفعت الحكومة سعره في عام واحد بنسبة 140%، على الرغم من أن تجربة رفع سعر ليتر المازوت في شهر أيار من عام 2008 كان لها أكبر الاثر السلبي على القطاع الزراعي، فبعد عامين على رفع سعر ليتر المازوت في حينها (في عام 2010(، تحولت بعض الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية من حقول تجود بالقمح والقطن، إلى أرض قاحلة، وهذا كان خير دليل على التأثير السلبي لرفع أسعار المازوت على الإنتاج الزراعي حينها..
الطموح الحكومي لم يقف عند هذا الحد، بل إنها قررت رفع سعر ليتر البنزين في شهر آذار من عام 2013 بمقدار 10 ليرات (من 55 ليرة إلى 65 ليرة)، ثم في شهر أيار إلى 80 ل.س لليتر، لتختمها قبل نهاية العام (في الشهر العاشر)، وترفع سعر ليتر البنزين إلى 100 ل.س، وبنسبة ارتفاع اجمالي تصل إلى 82% خلال عام واحد، ولهذا أثره السلبي أيضاً على تكاليف النقل، وعلى عملية الإنتاج الزراعي بالنهاية، لضعف القيمة المضافة التي يحققها الفلاحون من وراء عملهم في القطاع الزراعي..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه، وعلى امتداد نحو عام ونصف العام، وبثلاثة تعديلات متتالية، ارتفع متوسط سعر الطن الواحد من السماد في البلاد بنسبة 170.5%، وذلك منذ شهر شباط من عام 2012 حتى التعديل الأخير في شهر تشرين الأول من عام 2013..
تقشف بالدعم.. غير مسبوق
ضمن الفلسفة التي تبناها صندوق الدعم الزراعي، فإن تلك الإجراءات والقرارات الاقتصادية كانت تتطلب زيادة الدعم المقدم عبره للإنتاج الزراعي وللفلاحين، إلا أن الأرقام تشير إلى انخفاض مخصصات دعم الإنتاج الزراعي من 34 مليار ليرة في عام 2010، إلى 16.5 مليار ليرة في العام الماضي (2013)، وهو بالقيمة الحقيقية يعتبر تراجع بنسبة 250% إذا ما أخذنا تراجع قيمة الليرة السورية مع التراجع المباشر، كذلك أي مقدرة هذه المبالغ المقدمة على تغطية فرق الأسعار، يضاف إلى ذلك أن المبلغ المرصود وجه لدعم المحاصيل الاستراتيجية حصراً، واستثنت أنواع الزراعات الأخرى، كالزيتون والحمضيات، والخضار، والزراعات المحمية.. على الرغم من كل القرارات التي اتخذتها الحكومة في مجال تحرير أسعار المحروقات والأسمدة على حد سواءِ، فقد خفضت بشكل مباشر مخصصات صندوق دعم الإنتاج الزراعي بالتزامن مع تلك الإجراءات، وهذا يشير بكل وضوح إلى أن السياسات الحكومية الليبرالية ماضية في إجهازها على القطاع الزراعي، متجاهلة عن عمد أن هذا القطاع لا يزال الضمانة الحقيقية للأمن الغذائي لكل السوريين رغم ما عاناه بفعل تلك السياسات الحكومية خلال العقد الأخير واليوم، وهذه السياسات التي تقول وداعاً للقطاع الزراعي، ووداعاً للأمن الغذائي إن لم نتدارك الأمر..