أزمة غاز عابرة!!.. والعبرة في الأزمات
توقف توزيع الغاز في محافظة دمشق ثم عاد ليظهر خارج مراكز محروقات ولدى «موزعيها غير الرسميين»، أي إلى السوق السوداء وبسعر ارتفع عن السعر الرسمي بمقدار 500 ل.س، وعاد للانخفاض مع وضوح عدم اتساع الأزمة.. كان صدى أزمة الغاز هذه أكبر من ملابساتها على الأرض فقد مرت العاصمة ومدن أخرى بظروف عدم توفر المادة لوقت أطول من هذا الاختناق..
ويعود الصدى الواسع إلى تصريحات وزير النفط بعدم وجود أزمة، وباتضاح أن سبب تراجع الكميات ناجم عن خلل في عقد موقع مع إحدى الشركات المتعاقد معها لاستئجار وحدات تعبئة غاز متنقلة، وهي شركة آبار التي تعمل في منطقة جمرايا، وتنطح وسائل إعلام للدفاع عنها وأخرى للدفاع عن الوزارة وشركة محروقات، وسط جلبة لا يمكن الوصول إلى مسبباتها الرئيسية بدقة، ولكن يتضح أنها نتيجة تناقض في المصالح بين الشركات المستثمرة والجهات المستفيدة وسط كم كبير من المعلومات المتضاربة.. وكانت النتيجة أن استطاعت السوق السوداء أن تستفيد من هذه الفوضى وترفع السعر ليتحمل المواطنون كالعادة نتيجة أزمات من هذا النوع..
عادت المحطات المتوقفة إلى العمل، وذلك برعاية رئيس مجلس الوزراء لاجتماع بين وزارة النفط والشركات المتعاقد معها.. وتم (استيعاب) الخلاف بهدف «ضمان حاجات المواطنين» دون أن تتوضح ما المبالغ المدفوعة في العقود، بعد أن وضع الخلاف أمام الرأي العام أي نوع من التعاقد كان يتم بين شركة محروقات وهذه الشركات، وغطى عليه مع عودة الاتفاق..!!
تعود أزمة الغاز المتكررة دورياً خلال الأزمة وتحديداً في العاصمة دمشق إلى تراجع تعبئة الغاز من الإنتاج المحلي بنسبة 85-90%، والاعتماد على الاستيراد، وإلى تراجع الإنتاج في معمل تعبئة الغاز في عدرا التابع للدولة من 70 ألف أسطوانة في اليوم تغطي حاجات دمشق وريفها والمنطقة الجنوبية في وقت الذروة التي تقدر بحوالي 65 ألف أسطوانة، التراجع الذي يعود إلى تدهور الظروف الأمنية في هذه المنطقة وصولاً إلى التوقف التام..
أما الحل البديل فقد كان بوحدات تعبئة الغاز المتنقلة التي كثر الحديث عنها خلال العام الماضي، والتي تبين أنها بدأت بالعمل في محافظة دمشق وريفها منذ فترة تزيد عن السنة وفق عقود مع شركات مختلفة، إحداها هي المشكلة..
شركتا تشغيل محطات التعبئة المستأجرة في جمرايا (شركة ينغ كينغ باستطاعة 6000 أســـطوانة للوردية الواحدة، وعقد مع شركة آبار بتروليوم باستطاعة 3000 أسطوانة للوردية الواحدة) مستأجرة من وزارة النفط لمصلحة الشركات مع عمالها لتعبئة الأسطوانات..وذلك منذ بدايات عام 2013، أعلنت الشركتان مع بداية العام الحالي توقفهما عن العمل، لينخفض عدد الاسطوانات الواردة لدمشق وريفها بنسبة كبيرة، مع عدم قدرة وحدات التعبئة المتبقية في الصبورة والقطيفة على سد الحاجة، ومؤخراً أوقفت وزارة النفط عقد شركة آبار ولم تجدده، بينما ألزمت الشركة الثانية (يانغ كينغ) بتعبئة 8000 أسطوانة فقط، بحسب ما تداول الإعلام.
الأزمة وجدت بالتأكيد..
أكد نقيب عمال النفط في دمشق علي مرعي لـ(قاسيون) وجود أزمة غاز حقيقية في العاصمة لأسباب كان من الممكن تفاديها..
حيث قال إنه «كان بإمكان وزارة النفط أن تشغل العقود الجديدة الأرخص تكلفة قبل إيقاف أي عقد جار، حرصاً على استمرار تأمين المادة وتفادياً لأي عجز في الكميات».
وبين مرعي إنه «تقدمت عدة عروض لتشغيل محطة تعبئة الغاز في جمرايا بتكلفة أقل من تلك المعتمدة مع الشركة السابقة والتي هناك خلاف حالي معها، ويبدو أن رفض هذه الشركة تخفيض تكلفتها دفع بالوزارة إلى إيقاف العقد، وبالتالي توقف الإنتاج في الوحدة». وحسب وسائل الإعلام، فإن المشكلة القائمة بين شركة (آبار) ووزارة النفط تتمحور برفض الوزارة تمديد العمل بالعقد بحجة وجود عروض تعبئة من الشركات المماثلة بسعر 40 ل.س للأسطوانة الواحدة الأمر الذي يفرض على (آبار) اتباع الخطوة نفسها، في الوقت الذي تقول فيه (آبار) إن تكلفة تعبئة الاسطوانة الواحدة تبلغ 43 ليرة سورية، وبالتالي من غير المقبول بالنسبة لهم الرضوخ لطلب الوزارة وتخفيض التكلفة إلى 40 ليرة، معتبرة أن من قدم العروض المخفضة يمارسون تجاوزات تتعلق بوزن الاسطوانة والتلاعب فيه، والكلام عن شركة محمد عامر الخيمي في منطقة الصبورة التي تسعر بسعر أخفض وتتهمها الشركتان (آبار، ينغ كينغ) بأنها تخفض من وزن الغاز المعبأ في الأسطوانات وفق مخالفات وضبوط تموينية..وهذا ما لم تعلق عليه الوزارة أو تبينه..
الأجور بالدولار.. !
تتناقض التصريحات الحكومية والنقابية تحديداً حول أجار تعبئة الأسطوانة في العقد الموقع مع الشركة، بين جهات صرحت لقاسيون بأن تكلفة التعبئة المدفوعة للشركات من وزارة النفط ومؤسساتها التابعة هي 43 ل.س، وبين رئيس نقابة دمشق لعمال النفط الذي صرح أنه "في العام الماضي تم إبرام عقد لتشغيل وحدة الغاز في جمرايا مع القطاع الخاص، وتم الاتفاق على أن تكون كلفة تعبئة اسطوانة الغاز الواحد 2 دولار أمريكي لمدة 200 يوم، ثم تنخفض التكلفة إلى 1.65 دولار خلال مدة 165 يوماً لاحقاً، مشيراً إلى أن «استطاعة وحدة تعبئة جمرايا وصلت إلى 25 ألف اسطوانة يومياً، بعد أن كانت تنتج 6 آلاف اسطوانة عند بدء تشغيلها».
وحدات حكومية بالكامل
تدير محروقات وحدات تعبئة غاز متنقلة أخرى بشكل كامل بتركيبها وعمالها وشراء معداتها، وليس استئجار من الشركات كما في الوجهات الأخرى، وهذه الوحدات المملوكة للشركة العامة (محروقات) وهي وحدة تعبئة القطيفة باستطاعة نظرية 900 أسطوانة بالساعة، القنيطرة استطاعة نظرية 300 أسطوانة بالساعة، درعا باستطاعة 600 أسطوانة بالساعة.. وقد صرح الوزير بإمكانية تفادي الأزمة بزيادة استطاعة هذه الوحدات (القنيطرة 15 ألف أسطوانة باليوم- القنيطرة 2000- درعا 9000) وهو ما رد عليه مرعي بالقول إن «إنتاج محطة القطيفة لا يتجاوز 10 آلاف اسطوانة في حال عملت على مدار الساعة، كما نفى مصدر في شركة (يانغ كينغ) قدرات وحدة تعبئة القنيطرة التي تحدث عنها الوزير، حيث لم تنتج أي اسطوانة منذ نحو الشهر تقريباً لأنها محطة محدثة وليس عندها مولدة كهربائية للتغذية ولتعوض الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي عنها، بالإضافة إلى عدم إمكانية الاعتماد على محطة السويداء، لأن إنتاجها لا يتجاوز ألفي اسطوانة يومياً مخصصة للاكتفاء الذاتي في المنطقة..» وهي معلومات بعضها يعتمد على الشركات المنافسة، وبالمقابل رد الوزير هو رد تبريري وكلا الحالتين تساعدان في إخفاء حقيقة إمكانيات الوحدات التي تديرها محروقات بالكامل لتبقى الشركات وعقودها سيدة الموقف..
العقود.. والتشاركية: تجارب مرّة مجدداً
تم الاعتماد على العقود مع شركات لتغطية عجز توفير الغاز خلال الأزمة، وكانت النتيجة عدم وضوح وخلافات واختناقات ودفع قد يكون بالدولار وبتكاليف عقود باهظة.. بعد خلافات ومخالفات من محروقات وأخذ ورد مع وزارة النفط حول الشركة التي سيرسو عليها التعاقد لشراء معدات وحدات تعبئة الغاز الجديدة، تم اختيار الشركة اللبنانية GMP.. وتم إنشاء وحدات صغيرة تديرها (محروقات) بالكامل، وشركات أخرى استطاعتها أكبر في عقود استثمار مع شركات أخرى في ثلاثة مواقع بدمشق وريفها، وذلك بحسب معلومات حصلت عليها (قاسيون). تم استئجار وحدات غاز متنقلة في منطقــة جمرايا ومعلومات السعر غير موضحة ولكن مصادر إعلامية تداولت الخبر أشارت إلى أن شركة آبار كانت تتقاضى أجوراً لتعبئة أسطوانة الغاز بالدولار الامريكي وبأسعار تفوق أسعار تعبئتها في لبنان التي تبلغ 30 سنت، إلا أن أجور التعبئة في سورية بدأت بـ 2 دولارين للأسطوانة ولم تخفض..!! بينما مصادر أخرى تقول إن أجور التعبئة 43 ل.س..!
العقـــد مع شركة «محمد عامـــر الخيمي» في الصبورة كان آخر هذه العقود بتاريخ29/12/2013 وهو العقد الذي تتهمه الشركات الأخرى بمخالفة شروط الإعلان والعقود وبالتأخر في المباشرة، وبسرقة الدولة السورية وتعبئة الأسطوانات بأوزان أقل مما في العقد وتشير الشركات إلى مخالفات موثقة بضبوط تموينية، وهذا غير مستبعد، ولكن لم ترد عليه وزارة النفط، التي استخدمت الأسعار المخفضة للعقد مع هذه الشركة كشرط لعمل الشركات الأخرى التي انتهزت ظروف الأزمة وطلبت أجوراً بالدولار، وافقت عليها الوزارة وشركاتها المختصة (محروقات)، لذلك فإن كلاً من الوزارة التي وافقت والشركات التي ابتزت وتوقفت والشركات التي قد تكون تخالف الشروط وتنال الرضا الحكومي الآن.. كلها نتيجة طبيعية لظروف الأزمة وللمنطق الذي يسود اليوم في معالجة ظروفها الطارئة وهو منطق توسيع السمسرة، وهو ما يفسر الإصرار على رفع شعار التشاركية في اللحظة التي تتكشف فيه الثغرات الكبرى في آلية عمل القطاع الخاص في المرافق الهامة كبديل عن العام، بينما كان توفير تكاليف العقود المرتفعة ممكناً عن طريق تشغيل محطات تعبئة مدارة من شركة محروقات وعمالها، وهو ما تم ولكن باستطاعات منخفضة..