جامعة دمشق: بعث «اقتصاد السوق الاجتماعي»
في بادرة إيجابية منها قامت كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بتنظيم ندوة تحت عنوان «النهج الاقتصادي لسورية المتجددة» في محاولة جدية منها لمواكبة المنابر الأكاديمية للأوضاع الاقتصادية القادمة والحالية.
خلصت الندوة التي تحدث فيها باحثون أكاديميون من قسم الاقتصاد إلى عناوين عريضة بالمجمل، حثت على إستعادة دور الدولة في التخطيط وإيلاء القطاعات المنتجة أولوية في الاقتصاد والابتعاد عن الاقتصاد «الليبرالي».
لكن الملاحظ في الندوة هو ما ورد في إحدى ورقات البحث حول نقطتين تستحقان الوقوف، هما إعادة بعث والدعوة لـ «اقتصاد السوق الاجتماعي» كي يكون نموذجاً لسورية المستقبل، والهجوم على النائب الاقتصادي المقال الدكتور قدري جميل.
انحراف عن مسيرة «السوق-الاجتماعي»!!
حول اقتصاد السوق الاجتماعي رأت هذه الورقة أن ما طُبِّق في سورية خلال أعوام الخطة الخمسية العاشرة هو اقتصاد «ليبرالي» وليس «السوق الاجتماعي» في محاولة للتمييز بين ما نُظّر له أثناء الخطة الخمسية وبين ما طبقه الفريق الاقتصادي السابق برئاسة الدردري. تعاني هذه الرؤية من خلل في قراءة الأمور، فالقول أن المشكلة كانت في التطبيق وليس في النظرية يفتح المجال لكل التبريرات، وهو ما يمكن إسقاطه مثلاً لتبرير أخطاء نموذج سورية السابق الذي تبنى «الاشتراكية» نظرياً وانتهى إلى نموذج «رأسمالية الدولة الطرفية المشوهة».
عودة إلى الوراء
تعيدنا هذه الرؤية إلى الوراء 8 سنوات على الأقل، لإعادة الجدل الدائر حول مفهوم وضرورة تطبيق اقتصاد «السوق الاجتماعي» في سورية، فالقول إن اقتصاد السوق الاجتماعي نجح في ألمانيا وأوروبا الغربية لا يشكل أي مبرر لتطبيقه في سورية. وبالعودة إلى ذلك النموذج التاريخي في أوروبا الغربية في خمسينيات القرن الماضي وما بعدها نجد أنه لم يكن سوى "رأسمالية دولة المركز المنتجة" والمسموح بها ضمن التقسيم الدولي للعمل بين المراكز الكبرى للرأسمالية، والتي نالت رعاية مباشرة من الولايات المتحدة آنذاك، كما أخذت بعداً اجتماعياً خشية من النموذج الإشتراكي البديل الذي ساد في الاتحاد السوفييتي وفي أوروبا الشرقية وهو ما كان يهدد السطرة الأمريكية.
إن الحديث عن تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي في سورية لا يرى إطلاقاً الظرف التاريخي السوري الخاص المتأخر بعقود عن التجربة الغربية والمخلتف من حيث البنية، كما لا يرى أهم التطورات التي ضربت هذا النموذج في ألمانيا ودول الرفاه الاجتماعي في العقدين الأخيرين ولا يأخذ بالحسبان نتائج وآثار الأزمة الرأسمالية المستمرة.
الهجوم في الوقت الضائع
تضمنت الورقة أيضاً هجوما مباشراً على أداء النائب الاقتصادي قدري جيمل واضعة إياه كاستمرار لسياسيات الليبرالية التي طبقها الدردري. بالطبع يخرج هذا الحديث عن الموضوعية، حيث لا يراعي أبسط القضايا الشكلية وهي المدة الزمنية التي قضاها كل من الرجلين والظرف المختلف كلياً، إلا أنها أصرت على تحميل المسؤولية للنائب قدري جميل بالمنطق نفسه الذي حملته للدردري.
إن هذا الطرح في رشق المسؤوليات جزافاً يغيب الحقيقة التي تقول إن المشكلة الاقتصادية في سورية أكبر من دور سريع لعبه نائب اقتصادي شيوعي لسنة واحدة منفرداً في ظل أزمة شاملة وعميقة ومعقدة، كما أن ما جرى بسورية في سني الخطة الخمسية العاشرة ليس انحرافاً مقصوداً عن الاقتصاد «السوق الاجتماعي» كما يرى هذا الطرح. بل هو أزمة عميقة لنظام اقتصادي- سياسي يخضع لشروط الرأسمالية الطرفية، والتي تتصارع فيها قوتان رئيسيتان هما الرأسمال الطفيلي التابع للمراكز الرأسمالية والرأسمالية البيروقراطية الناهبة للقطاع العام، وكلاهما على تمثيل عال في بنية النظام السياسي- الاقتصادي المأزوم والذي استحق التغيير.