هيمنة الدولار على التجارة الدولية على المحك

هيمنة الدولار على التجارة الدولية على المحك

تبين أن احتياطات الولايات المتحدة الأمريكية من الذهب بداية والعملات ثانياً، بالإضافة إلى اتجاهات صناعتها ومواردها تشكل مرتكزاً ضعيفاً لحماية الدولار في مواجهته لأزمة الدين العام الكبرى..

ليبقى بحث العامل الثاني لإسناد الدولار -وهو الأهم- ضرورياً لقراءة اتجاه تطور العملة العالمية وأداة رئيسية في النظام النقدي العالمي.. فتاريخياً كانت هيمنة الولايات المتحدة على التجارة الدولية تؤمن طلباً عالياً على الدولار عبر السيطرة التجارية وقوتها العسكرية المعتمدة على الإنفاق الحكومي الهائل في المجال العسكري. وسنركز في هذا العدد على التجارة الدولية ونترك الإنفاق العسكري لأعداد قادمة، فمنذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944 صار الدولار عملة احتياطيات عالمية، وهو ما جعل الولايات المتحدة تهيمن على التجارة الدولية.

عوامل الإسناد المتراجعة في ظل أزمة عميقة

قراءة وضع التجارة الدولية كعامل إسناد للدولار في مشكلة الدين العام الأمريكي، تتطلب قراءة معطيات التجارة الدولية في ظل معطيين هامّين الأول:
1-أزمة فيض الإنتاج التقليدية للنظام الرأسمالي العالمي والتي تتجلى حالياً بشكل واضح بركود الاقتصاد الدولي وتحديداً في المراكز الغربية وتراجع النمو بشكل كبير في باقي بلدان العالم، وذلك في ظل تراكم هائل للثروة، فأول 1% من أغنياء العالم باتوا يملكون حوالي 55% من ثروات البشرية.
2-أما المعطى الثاني وهو الأبرز، فهو مآلات وتطورات ماعُرف بـ»الأزمة المالية العالمية” عام 2008 والتي لا تعد سوى أزمة “فائض الدولار” أو أزمة التناقض الصارخ بين «قطاعات الإنتاج الحقيقي» و”القطاعات المالية”، حيث يهيمن الجانب المالي للمضاربة والتجارة بالسندات والأوراق المالية على عمليات الإنتاج الحقيقية، وهو ما يفتح المجال لإعادة النظر بوضع الدولار الذي تبنى عليه كل التسويات والمشتقات المالية فبينما يبلغ كل الناتج الإجمالي العالمي 85 ترليون دولار نجد أن حجم المشتقات المالية التي بلغت عشية أزمة عام 2008 (600) ترليون دولار تقارب اليوم (1000) ترليون دولار! وهو مافتح الحديث مراراً لنقاش حول الوضع العالمي للدولار بلغ حد الحديث عن استبداله على هوامش مؤتمرات قمة العشرين.

خطر الركود العالمي في التجارة

إن الطلب العالي على الدولار من التجارة الدولية والذي أمن هيمنته واستقراره النسبي لعقود طويلة يعاني اليوم من أخطار شتى، وأحدها هو التراجع العام في نمو التجارة الدولية في العقود الثلاثة الماضة وتحديداً في المجال البضاعي كانعكاس لحالة الركود العالمية، وإن تخللتها طفرات النمو. وباستعراض أرقام ومعدلات نمو تجارة السلع العالمية منذ منتصف القرن الماضي إلى وقتنا الحالي، سنجد أن هناك ميلاً متراجعاً لها، فقد بلغت ذروة نموها في العقد (73-83) بمعدل نمو (210)% تقريباً وتراجع نموها لاحقاً إلى أن بلغ (140)% في العقد الأخير (الجدول بمليارات الدولارات):

حجم التجارة الدولية على صعيد البضائع :

2012    2003    1993    1983    1973    1963    1953    1948
36118    15076    7464    3720    1173    321    169    121

معدلات نمو التجارة الدولية على صعيد البضائع :

2003
2012    1993
2003    1983
1993    1973
1983    1963
1973    1953
1963
140 %    101 %    100 %    210 %    80 %    40%

خطر البديل الأوروبي :

عند رصد التجارة الدولية نجدها تبلغ (36,118) ترليون دولار في مجال البضائع كما أنها تبلغ (8,500) ترليون دولار في مجال الخدمات التجارية،نجد أن هذه الأرقام الهامة التي تؤمن طلباً عالياً على الدولار والتي تجعل من إمكانية هزه أمرا صعباً، لا تتم كلها عبر الدولار، فهنالك على الأقل ما قيمته (6,865) ترليون دولار هي التجارة البينية للبضائع لدول الاتحاد الاوروبي وهي تتم عبر اليورو، أي 19% تقريباً من التجارة الدولية.كما أن (1,915) ترليون دولار أي 23% من حجم الخدمات التجارية الدولية تتم بين دول الاتحاد الأوروبي أي عبر اليورو. إن التحول النوعي الذي اضافه وجود الدولار هو تحوله لثاني أكبر عملة احتياطية بعد الدولار، وهو مايعني إنقاص لوزن الدولار ليس على مستوى التجارة الدولية وحسب بل على مستوى دوره كعملة احتياطية مهيمنة، لا بل فتح الباب مشرعاً لتأمين نماذج بديلة لعملات احتياطية أخرى تحد من هيمنة الدولار.

منظومة البريكس وتأثيرها على التجارة الدولية:

في أيلول 2012 قال وانغ تشاو نائب وزير التجارة الصيني:»إن حجم التجارة السنوية بين الأعضاء الخمسة فى البريكس قد زاد بنحو ست مرات في العقد الماضي ليصل الى 300 مليار دولار أمريكي العام الماضي».
إن حصة التجار البينية لدول البريكس بناء على الرقم المعلن في 2012،وهو 300 مليار دولار يضعها في موقع متأخر بالنسبة لتكتل يراد له أن ينتج بديلاً نقدياً، ولكن معدل نمو هذه التجارة البالغ (600)% في عقد واحد يعطي أفقاً واسعاً لاحتمالات نوعية، حيث أسست بلدان البريكس بنكاً للتمويل يبلغ رأسماله (100) مليار دولار في هذا العام. كما أن حصة هذه البلدان من تبدادلاته التجارية مع العالم الخارجي آخذة بالنمو خلافاً لتراجعات حصص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التجارة الدولية.
الدولة حجم التجارة السلعية
بمليارات الدولارات نسبة مساهمتها

الصين    3,867    10%
روسيا    864    2%
الهند    748    2%
البرازيل    476    1%
جنوب افريقيا    211    أقل من 1%
الولايات المتحدة    3882    10%
الاتحاد الأوروبي    4468    12%

أي أن حصة دول البريكس في التجارة الدولية السلعية هي 15% تقريباً و11% تقريباً من الخدمات التجارية العالمية وهي لا تقيم كلها بالدولار طبعاً، فمنها مايتم وفق عملات محلية لشركاء البريكس التجاريين، لكن هذه التعاملات لا تزال قليلة نسبياً، ولكن تنامي حصة البريكس في التجارة الدولية ونمو تجارتها البينية بهذا التسارع يضع سيناريوهات قاتمة بالنسبة للدولار.
الدولة    حجم الخدمات التجارية
بمليارات الدولارات نسبة مساهمتها


الصين    470    5%
روسيا    162    2%
الهند    268    3%
البرازيل    116    1%
جنوب افريقيا   -   رقم قليل جداً
الولايات المتحدة    1032    12%
الاتحاد الأوروبي    1482    17%

إن تأمين طلب متزايد على الدولار أمن استقراره لعقود سابقة، وبذلك الطلب استطاعت الولايات المتحدة أن تؤمن كل ديونها لتزيد نفقاتها وتؤجل بذلك انفجار «أزمة الدين العام» ولكن اليوم ووفقاً لما بينا لم يعد تأمين الطب على الدولار أمراً متيسراً كما في السابق، فالركود العالمي في بلدان الغرب يؤدي إلى تراجع التاجرة العالمية، وهو مايؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار هذا من ناحية، كما أن ظهور بدائل نقدية في الآفاق المنظورة هو أمر ممكن لا بل ضروري، فعلى الأقل هناك اليورو حتى اللحظة، وإن كان ليس أفضل حالاً بسب أزمة المديونية الأوروبية، إلا أن هيمنة الدولار باتت على المحك في مجمل كل هذه العوامل.

ربط وتنويه

المادة المنشورة هنا هي استكمال لمادتين منشورتين حول أزمة الدين العام الأمريكي التي بحثناها في العدد 629 بعنوان "الدين الأمريكي تسويف وليس حلاً" والتي تثقل الدولار كعملة عالمية وتكشف عوامل ضعفه وقوته حيث أن عوامل  الثقة وإسناد الدولار أي الطلب عليه مرتبطة بعاملين: الأول هو داخلي، وقد أخذنا مؤشر حجم احتياطيات البنك الفيدرالي الأمريكي من عملات احتياطية وسندات وذهب وبينا في المقالة المنشورة في العدد (631) بعنوان "الدين العام الأمريكي.. فاتحة لأزمة الدولار" أن اعتماد الولايات المتحدة على هذا المؤشر النقدي لمواجهة خطر أزمة الدين العام، هو أمر واه.
والثاني هو قوة الدولار المعتمدة على الدور التجاري الكبير للولايات المتحدة وتحول الدولار على عملة التجارة الدولية، مدعوما بغياب المنافسين الجديين سابقاً من جهة، وبالهيمنة العسكرية للولايات المتحدة التي تخصص لها الجزء الأهم من إنفاقها وجزءاً هاماً من إنتاجها..
*تنويه : تبين أن مجمل الاحتياطي النقدي للبنك الفيدرالي هو (575) مليار دولار وفقاً لإحصائيات البنك الدولي، ورغم أن إحصائيات وزارة الخزانة الأمريكية تقول إن رقم الاحتياطي هو (146) مليار دولار فقط،كما تشير ذات البيانات إلى أن رقم الاحتياطي الذهبي هو (11) مليار فقط، وبناء على ذلك فإن رقم الاحتياطي غير الذهبي هو (135)، لكننا عدنا واعتمدنا رقم مجمل الاحتياطي في باقي التحليل لتوخي الدقة اي رقم (575) مليار دولار،المنشور في البنك الدولي والمعبر عن إجمالي الاحتياطيات وهو لايغير من مجرى التحليل، إلا أننا توخينا الدقة منعاً للالتباس في الأرقام.