الفجوة بين تكاليف المعيشة ومستويات الأجور تصل إلى 400%
لم يتوانَ أحد كبار المسؤولين الاقتصاديين - في إحدى جولاته الميدانية على بعض صالات الخزن والتسويق وسوق الهال بمحافظة دمشق - عن دعوة المواطنين إلى التخلي عن سياسة «الهدر والبذخ» والتحول منها إلى الترشيد وضبط الإنفاق،
ولكن أين هو البذخ الذي يتحدث عنه هذا المسؤول الاقتصادي؟! وما هي الشرائح القادرة على مثل هذا السلوك البذخي المفترض في الظروف الحالية أساساً؟! وألا يرى هذا المسؤول الاقتصادي أن الغالبية الساحقة من السوريين تعيش حالة من التقشف الاضطراري؟! وذلك بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة، وغلاء تكاليف المعيشة، والمترافقة مع الجمود إن لم نقل التراجع في دخول الغالبية الساحقة من الشعب السوري...
في آخر مسوحات المكتب المركزي للإحصاء في عام 2009، أكد أن متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً (المطلوب) يصل إلى 31 ألف ليرة سورية، بينما لم يتجاوز متوسط دخل الفرد في حينها حدود الـ 11400 ل.س شهرياً في القطاعين العام والخاص، وفي حينها، كانت المقارنة بين متوسط الرواتب والأجور مع متوسط الإنفاق المطلوب تكشف عن فجوة كبيرة بين المكونين تفترض من الحكومة السعي لترميمها وتقليصها عبر زيادة الأجور الحقيقية وتثبيت الأسعار، فالخلل تاريخي وبنيوي بين الأجور ومتوسط الإنفاق المطلوب، وليس بالطارئ على السوريين بفعل الأزمة الحالية، ولهذا نسأل: كم اتسع هذا الفارق في الوضع الراهن؟! وكم هو المتوسط المطلوب من الإنفاق في الشهر الواحد لتؤمن الأسرة احتياجاتها الأساسية وتكاليف معيشتها؟! هذا إذا ما سلمنا بفرضية بقاء متوسط إنفاق الأسرة الواحدة على حاله حتى نهاية الربع الأول من عام 2011 رغم عدم تطابقها مع الواقع الفعلي..
ارتفعت الأسعار.. فماذا عن الأجور؟!
تتحدث أكثر التقارير الاقتصادية تفاؤلاً عن زيادة الأسعار في الأسواق المحلية بما يتراوح بين 200 إلى 300% منذ بداية الأزمة التي تعيشها البلاد في آذار من عام 2011، وتنال المواد الغذائية والسلع الأساسية الحصة الأكبر من نسبة الارتفاع تلك،في المقابل لم تشهد رواتب وأجور العاملين في القطاعين العام والخاص سوى زيادتين متتاليتين منذ بداية الأزمة، الأولى كانت في عام 2011، والتي تضمنت زيادة الرواتب بنسبة وسطية تقدر بــ 25% في عام 2011، وإضافة مبلغ 1500 ليرة على الراتب المقطوع، وكان المتوسط التقديري للزيادة على الراتب قرابة 4350 ل.س، ليصبح متوسط الأجور والرواتب في حينها لدى القطاع العام - الوحيد الذي التزم دون سواه بتلك الزيادة - بحدود 15750 ل.س، وإذا ما قدرنا متوسط الزيادة الثانية في عام 2013 بالنسبة نفسها تقريباً (25%)، فإن متوسط الأجور في هذه الحالة سيكون بحدود 20 ألف ليرة في أحسن الأحوال، وهنا لا نتحدث عن زيادة أجور أصحاب المهن والحرف الخاصة بطبيعة الحال، والتي رفعت أجورها بنسب أكبر من النسب السابقة..
400% الفجوة بين الأجور والإنفاق
إن ما تحتاجه الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص فقط من دخل ثابت لتأمين أساسيات معيشتها في الوضع الراهن يصل إلى 100 ألف ليرة سورية شهرياً، وهذا ليس بالرقم الافتراضي، بل أتى مرتكزاً إلى متوسط إنفاق الأسرة في عام 2009 حسب مسوحات المكتب المركزي (31 ألف ل.س)، على اعتبار أن متوسط زيادة الأسعار تتجاوز الـ 200% في الحد الأدنى..
كانت الفجوة بين تكاليف المعيشة ومستويات الأجور بحدود 181% حسب الرقم الرسمي الصادر عن مسوحات المكتب المركزي عن عام 2009، بينما تضاعفت هذه الفجوة لتصل إلى 400% في الأيام الحالية، لأن متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً (المطلوب) في الوضع الراهن يصل إلى 100 ألف ليرة سورية، بينما لا يتعدى متوسط الأجر الشهري حاجز الـ 20 ألف ل.س..
132% زيادة نسبة الفقراء
إن أحدث التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة في أواخر شهر تشرين الأول من عام 2013، تقول بأن أكثر من نصف سكان البلاد يعانون من الفقر، بينهم 7.9 ملايين يعيشون تحت خط الفقر، و4.4 ملايين يعيشون في فقر مدقع، بينما كانت تشير دراسات الأمم المتحدة في عام 2010 إلى وجود 5.3 ملايين يعانون من الفقر في البلاد، أي أن فقراء البلاد قد ارتفعت نسبتهم بحدود 132% خلال الأعوام الثلاثة الماضية..
هؤلاء الفقراء على اختلاف تصنيفاتهم يعانون الحرمان، وهم يشكلون نصف سكان البلاد، فمن هم القادرون على الهدر والبذخ إذاً؟! ومن هي الشرائح التي يوجه لها هذا المسؤول الاقتصادي خطابه ليدعوهم لترشيد استهلاكهم وضبط إنفاقهم؟!
بروفة للتسعير الإداري
تَصدّر قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المتضمن تحديد هوامش أرباح ست مواد غذائية لحلقات الوساطة التجارية عناوين الصحف اليومية والمواقع الالكترونية، حيث حُددت نسبة الربح لمادة الشاي المستورد بـ 18% (المستورد بـ6 %، و12% لتاجر الجملة والموزع وبائع المفرق)، ونسبة ربح 17% لحلقات الوساطة التجارية على مادة البن المستورد المعبأ الجاهز للاستهلاك، ونسبة ربح 18% على الطحينة والحلاوة الطحينية المستوردة...
هوامش الأرباح المقررة تعتبر مرتفعة من حيت المبدأ، ولكن وعلى الرغم من ذلك، هل ستلتزم حلقات الوساطة التجارية بها؟! أم أنها ستبقى مجرد حبر على ورق، كما كانت تجربة النشرات التأشيرية؟!!..