تقلبات سعر الصرف.. بين قوى الداخل والخارج
انخفض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية خلال ثلاثة أيام بأكثر من 50 ل.س ليصل سعر صرف السوق إلى حد أقل من السعر الرسمي في المصرف المركزي المخفض خلال الفترة الماضية إحيث بلغ في يوم الثلاثاء 5-11-2-2013: 120 ل.س/$ بالحد الأدنى.
محاولات عديدة لتفسير أسباب الانخفاص المفاجئ تصب كلها في النهاية في العوامل السياسية التي تؤثر على السعر الوهمي المضخم عن طريق المضاربة على قيمة الليرة في المرحلة السابقة، حيث لا تقدم المعطيات الاقتصادية الكثير من الارتباط بهذا الانخفاض المفاجئ والسريع، الذي عاد للارتفاع مع إعلان المركزي عن نيته القيام بعملية تدخل جديدة في السوق وبيع شريحة قطع أجنبي من الدولار بمقدار 20 مليون دولار لشركات ومكاتب الصرافة..
ارتفاع الليرة.. أقرب للتفسير
الانخفاض الذي يشبه "الطفرة" المقصودة لا يرتبط بعوامل اقتصادية مباشرة، فلم تزداد كميات الدولار المعروضة من قبل المركزي في السوق أو في سوق الصرافة الرسمي، حيث تعتبر حركة السوق "خفيفة" خلال المرحلة الماضية والمقصود بهذا المصطلح حركة المضاربة على الليرة والدولار، فالبنك المركزي توقف عن الضخ منذ 22-10-2013، كما أن انخفاض سعر صرف الدولار أي ارتفاع قيمة الليرة السورية لم يأتي من تحسن الوضع الاقتصادي، أي عودة عجلة الإنتاج والتشغيل إلى العمل، لذلك فإن مؤشرات اقتراب الحل السياسي هي عامل مساعد في إعادة الثقة تدريجياً بالليرة السورية وعدم بيعها واستبدالها بالدولار..هذا من جهة
ومن جهة أخرى فإن الارتفاع الوهمي لسعر الصرف مقابل الليرة سابقا والذي أوصلها إلى حدود 300 ل.س/$ خلال شهر حزيران-2013، كان يرتبط بعمليات ضخ الليرة في الأسواق سواء في الدول المجاورة أو في السوق السورية من قبل كبار أصحاب الربح الذين يبادلون أرباحهم المحصلة بالليرة بدولارات من السوق السوداء، تصل إليها من عمليات الضخ في البنك المركزي عن طريق مكاتب وشركات الصرافة، بالتالي فإن انخفاض سعر الصرف لا بد يرتبط بإحدى العمليتين أو كلاهما، فإما أن تكون قد توقفت أو تراجعت عمليات ضخ الليرة في الأسواق المجاورة التي كانت تقوم بها بعض الدول الإقليمية التي تمتلك كميات كبيرة من الليرات السورية بهدف مقصود وهو تدهور قيمة الليرة.. أو ان يكون التخفيض مقصود من قوى السوق الكبرى في الداخل..
آثار جنيف!؟
قوى السوق الكبرى تستطيع بتخفيضها من عمليات بيع الليرة وشراء الدولار أن تخفض سعر الدولار في السوق، لكنها وكونها كانت المستفيدة من الأزمة مانعت طويلاً الحل السياسي الذي قد ينهي سطوتها على أرباح هائلة فهي كنات تتضارب على الليرة متلطية بظروف الأزمة، بينما يجيء الحراك السياسي الذي يسبق تحضيرات مؤتمر جنيف كأحد المؤثرات الرئيسية في انخفاض سعر الصرف لما يعطيه من إشارات وتأكيدات على اقتراب الحل السياسي وإيقاف التدهور، وكل من هذا وذاك يرتبط أيضاً بالتغيرات السياسية التي تلغي تدريجيا دافع هذه القوى في الخارج والداخل لدهورة قيمة الليرة أمام الدولار..
التدخل المباشر .."ليس محدد"
البنك المركزي قابل الانخفاض بإعادة عملية الضخ وبيع القطع بالتالي تحريك السوق والتي من الممكن أن تؤدي إلى تثبيت الانخفاض ولكن مؤقتا، لأنها قد تعيد الحركة إلى سوق المضاربة من جهة، وتوقف عملية الانخفاض بفرضها لسعر مرتفع غير محدد لكنه سيكون بأفضل الأحوال قريبا من السعر الرسمي 138 ل.س/$، وهو السعر المركزي الثابت تقريبا منذ فترة طويلة..
إلا أن الانخفاض الحالي أثبت العديد من المقولات التي أكدنا عليها:
• السعر السابق هو سعر وهمي مرتبط بعمليات المضاربة الداخلية والخارجية.
• سياسات التدخل المباشر الأحادية التي يمارسها البنك المركزي والمتعلقة بالقيام بعمليات بيع دولار الاحتياطي إلى السوق لا تؤثر على تخفيض الدولار وبالتالي حماية الليرة، حيث كان الانخفاض في فترة توقف عمليات الضخ، وعاد الارتفاع مع إعلان المركزي عن عملية تدخل وبيع دولار للسوق بتاريخ الخميس 7-11-2013 بمبلغ 20 مليون دولار، وبسعر 137-138 ل.س/$
• اقتراب الحل السياسي ومؤتمر جنيف يؤدي إلى إعادة الثقة بالليرة ويقلل من الدافع نحو طلب الدولار بالتالي يخفف من سعره المرتفع وهمياً.
الليرة ستعود
استطاعت الليرة السورية خلال الأزمة الصمود أمام مخططات التي تستهدف إنهيارها الكبير -رغم كل خسائرها- على غرار ماحصل في لبنان التي خسرت اضعاف ماخسرته الليرة السورية في زمن قليل نسبياً.. لذلك فإن الانخفاض الحالي أياً كانت استخداماته السياسية أو المؤثرات الاقتصادية المؤقتة عليه، فإنه يدل على أن سعر الصرف المضخم وهمياً هو حالة مؤقتة ومرتبطة باستمرار الفوضى وعدم الاستقرار، بالتالي فإن الاتجاه نحو الانخفاض هو حتمي مع تحسن الظروف السياسية وبالتالي الأمنية والاقتصادية.. بينما يسعى المضاربون والكبار منهم تحديدا إلى الاستفادة من تخبطات قيمة العملة الوطنية "لآخر نفس" وبكافة الوسائل السياسية والاقتصادية..