رفع أجور الاتصالات... هل حقاً ارتفعت مصاريف التشغيل؟

رفع أجور الاتصالات... هل حقاً ارتفعت مصاريف التشغيل؟

توالت خلال الشهر الماضي قرارات رفع أجور الإنترنت والهاتف الأرضي والخليوي من جانب الشركة السورية للاتصالات وشركتي «سيريتل» و«MTN». وبالنسبة للهاتف الأرضي والإنترنت، شملت الزيادة أسعار المكالمات والباقات، حيث ارتفعت أجور خدمة الهاتف الأرضي من 200 إلى 500 ليرة، بينما ارتفعت المكالمات الدولية وخدمة الفايبر المنزلي بنسبة 100%، في حين وصلت نسب الارتفاع في باقات الإنترنت ما بين 40 إلى 70%. كما ارتفع سعر دقيقة الخليوي للخطوط مسبقة الدفع من 13 إلى 18 ليرة، وللخطوط لاحقة الدفع من 11 إلى 15 ليرة، بالإضافة لرفع أسعار باقات الإنترنت للموبايل بنسبٍ متفاوتة وحسب نوع الباقة.

حسب البيانات الصادرة عن «السورية للاتصالات» وكل من «سيريتل» و«MTN»، يعود السبب في رفع الأسعار إلى ارتفاع المصاريف التشغيلية، والحاجة إلى عمليات الصيانة من أجل تحسين جودة الخدمة. وهو ما يثير التساؤل المشروع: هل ارتفعت المصاريف التشغيلية حقاً؟ وهل يعود السبب في عملية رفع الأسعار إلى الحاجة لتغطية الارتفاع المفترض للمصاريف أم إلى الرغبة بالحفاظ على نسبة الربح الاستثنائية ومحاولة رفعها؟

المزاعم في مقابل الحقائق

بالنسبة لشركة «سيريتل»، وهي الشركة التي سنتخذ من بياناتها المعلنة نموذجاً للدراسة في هذه المادة، فقد أعلنت عبر بيانٍ لها حمل عنوان «لنستمر بخدمتكم» أنه «نظراً للظروف والأوضاع الاقتصادية التي يمر بها بلدنا الحبيب، بدءاً من الحرب المفروضة على سورية، إضافة للحصار الاقتصادي العالمي وقانون قيصر وغيره، التي أدت إلى تضخم سعر الصرف وصعوبة الحصول على المعدات والأنظمة التقنية اللازمة لصيانة واستدامة الشبكة، خاصة أن سيريتل ملزمة بدفع أجور الخدمات للمزودات العالمية بالقطع الأجنبي. كما أن الانقطاعات الطويلة المتكررة للتيار الكهربائي وصعوبة تأمين مادة المازوت في ظل هذه الانقطاعات الطويلة وارتفاع أسعارها نتج عنه ارتفاع كبير في النفقات التشغيلية إلى جانب وجوب ترميم المحطات التي تعرضت للتدمير بفعل العمليات الإرهابية».
يتضح بالتالي أن الشركة تزعم وبشكلٍ لا يقبل الشك أن النفقات التشغيلية شهدت «ارتفاعاً كبيراً»، وبما أن العنوان الأساسي لبيان الشركة حمل صيغة «لنستمر بخدمتكم» التي تترك انطباعاً لدى المتابع أن الشركة لن تكون قادرة على الاستمرار بتقديم الخدمات إن لم ترفع أجورها، فإنه من الضروري الوقوف عند الإفصاحات المالية المعلنة سابقاً من جانب «سيريتل» ذاتها.

بماذا تخبرنا البيانات؟

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سجلت بيانات «سيريتل» انخفاضاً في أرباح الشركة بالدولار وارتفاعاً بالليرة السورية وذلك بسبب انخفاض قيمتها، وسيتم الاعتماد على وسطي سعر الدولار في السوق السوداء حسب السنة، ذلك أنه (وبحسب بيان الشركة ذاتها) فإنها ملزمة بالدفع للمخدمات العالمية بالقطع الأجنبي، فضلاً عن أن الأنشطة الاقتصادية في البلاد تتم فعلياً على هذا الأساس.

أما بالنسبة للمصاريف التشغيلية، وخلافاً لمزاعم «ارتفاعها الكبير»، تثبت بيانات الشركة أن هذه المصاريف اتجهت للانخفاض فعلياً. إذ أنه، وفي البيانات المالية التي صرّحت عنها خلال الأعوام 2018، 2019، 2020 كانت المصاريف التشغيلية على الشكل التالي:

نلاحظ من الأرقام أن مصاريف الشركة المقوّمة بالدولار الأمريكي تناقصت بمقدارٍ كبير بين عامي 2019 و2020، ما يفتح الباب أمام سؤالين: أولاً، أين هو الارتفاع الكبير في المصاريف الذي تحدثت عنه «سيريتل» وفي حال وجوده لماذا لم تصرّح عنه؟ وثانياً، في حال وجود مثل هذا الارتفاع لماذا ستجري تغطيته من جيوب المستخدمين؟ أليس من باب أولى أن يتحمل المساهمون هذا العبء؟ ولا سيما أن الشركة (وفق بياناتها هي) رابحة وبملايين الدولارات!

10393

عودة إلى الـB.O.T

ينص العقد الموقّع بين الحكومة السورية وشركتي الاتصالات في عام 2001 (وهو نوع العقود المعروف باسم B.O.T) على أن يتم تأسيس مشاريع الخدمات الخليوية (بما فيها عمليات التسويق والاستيراد التي تخدم هذه المشاريع)، وتلتزم بتشغيل الشركتان لمدة 15 عام من بداية عام 2001، وتأخذ الدولة نسبة 30% من إجمالي الايرادات في السنوات الثلاث الأولى، و40% في السنوات الثلاث التالية، و50% للسنوات الباقية حتى نهاية مدة العقد، ليصار بعدها إلى تحويل الملكية لمصلحة «الشركة العامة للاتصالات». لكن، وفي مطلع العام 2015، اتخذت الحكومة السورية قراراً مجحفاً بحق السوريين حوّلت من خلاله عقود الـB.O.T إلى عقود ملكية خاصة، وقلّصت حصتها إلى 30% ثم 20% في العام 2018.
ما يعني أن الشركة التي تتذرع بـ«ارتفاع كبير» في المصاريف من أجل زيادة أجور خدماتها، لا ينبغي أن تكون (وفق منطق عقود الـB.O.T) ملكيتها خاصة حتى هذا اليوم. وبما أن المصاريف التشغيلية تتراجع فعلياً كما كشفت الأرقام سابقاً فإنه من الواضح أن قرارات رفع الأسعار لا تستهدف تغطية المصاريف بل الحفاظ على نسبة ربح مالكي الشركة، وهذا يقودنا إلى سؤال آخر، هل نسبة ربح «سيريتل» مقارنة بإيراداتها المعلنة منطقية أو حتى قريبة من المنطق؟

103932

«سيريتل»: نسبة ربح استثنائية!

خلال عام 2020، بلغ ربح «سيريتل» الصافي من الإيرادات الكلية نسبة 28.3% وهي نسبة استثنائية بكل المقاييس فيما لو قارنها مع شركات الاتصالات الأخرى والأكثر تطوراً في المنطقة، مثل شركة STC السعودية التي بلغت النسبة فيها 18.6%، و«ترك تيلكوم» التركية التي بلغت 11.2%، وZain الكويتية التي ربحت 10.2%، و«أورانج» في الأردن بنسبة 5.5%، وفودافون (مصر وتركيا) 1%.
هذه النسب تطرح كماً كبيراً من الأسئلة، فهل النسبة الكبيرة للربح تعكس جودة الخدمات المقدمة من جانب الشركة، وهل ثمّة حاجة لرفع تعرفة الاتصالات لتغطية مصاريف التشغيل أم لزيادة تراكم الثروة في يد المالكين، مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت القدرة الشرائية لشعوب لتلك الدول ومقدار حصة الفرد من الانفاق على الاتصالات.

 

1039-30

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1039
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 تشرين2/نوفمبر 2021 14:30