اعتراف الكيان بـ «أرض الصومال» ومحاولات التفجير الجديدة!
معتز منصور معتز منصور

اعتراف الكيان بـ «أرض الصومال» ومحاولات التفجير الجديدة!

في خطوة استفزازية تهدف إلى إعادة رسم الخرائط وتفجير التوترات في منطقة حيوية، أعلن رئيس حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» اعترافاً رسمياً بـ«أرض الصومال» الانفصالية كدولة مستقلة. هذا القرار لم يكن مفاجئاً لمن يتتبع استراتيجية الكيان الصهيوني التاريخية في تأجيج الصراعات وخلق بؤر توتر جديدة، لكن كيف يمكن أن تكون ارتدادات هذه الخطوة في الظرف المعقد الحالي.

قوبل هذا الإعلان بموجة واسعة من الرفض والاستنكار من الصومال، والدول العربية والإسلامية والأفريقية، التي رأت فيه انتهاكاً صارخاً لسيادة الصومال ووحدة أراضيها، وتجاوزاً خطيراً لكل الأعراف والقوانين الدولية التي تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول.


مشروع تفكيك القرن الأفريقي


يأتي هذا الاعتراف في توقيت بالغ الخطورة، حيث تشهد منطقة القرن الأفريقي حالة من الهشاشة والاضطراب المستمر. فمنذ إعلان الانفصال من جانب واحد عام 1991، لم تحظَ «أرض الصومال» باعتراف أي دولة. وخلال عام 2024، تصاعدت الأزمة بين إثيوبيا والصومال بسبب مساعي أديس أبابا للحصول على منفذ بحري عبر الإقليم الانفصالي، وسط رفض مصري وعربي قاطع. واليوم، تتدخل إسرائيل لتعقيد المشهد أكثر، حيث تجد في هذا الإقليم- بموقعه الاستراتيجي الممتد على 740 كم على خليج عدن- فرصة ذهبية لتحقيق أهداف متعددة.


الأهداف «الإسرائيلية» من اليمن إلى البحر الأحمر


«إسرائيل» التي عانت من هجمات الحوثيين المستمرة على سفنها وموانئها، تبحث عن موطئ قدم عسكري قريب من اليمن. فموقع أرض الصومال المقابل للشواطئ اليمنية يسمح بمراقبة ورصد حركة الحوثيين، وربما شن عمليات عسكرية مستقبلية. إنها محاولة لكسر الحصار البحري التي تسهم فيه حركة «أنصار الله» بشكلٍ أساسي.
لكن الطموحات «الإسرائيلية» لا تقتصر على اليمن، بل تمتد إلى السيطرة على بوابة البحر الأحمر، حيث يلتقي المحيط الهندي بممرات الملاحة الدولية الحيوية. وهذا يضع «إسرائيل» إن نجحت في استكمال مخططها في موقع يؤهلها للتحكم في جزء حيوي من أمن الطاقة والتجارة العالمية، ويمنحها ورقة ضغط إضافية ضد مصر والسعودية. فالأهم بالنسبة للكيان هو ضرب الدول الكبرى في المنطقة، التي تشكل بوزنها حاجزاً أمام تفتيت الإقليم بأكمله، ولهذا السبب يرى الكيان أهمية تطويق السعودية ومصر، وضرب أمنهما القومي، وتفجير المنطقة المحيطة بهم على أمل نقل الفوضى إلى داخل كل منهما.
اعتراف «إسرائيل» هذا لا يمكن فصله عن المشهد الإقليمي المضطرب. ففي اليمن، يستمر الصراع بين قوى متعددة، حيث أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي- المدعوم إماراتياً- عن رغبته في التطبيع مع «إسرائيل»، بعد سيطرته على مناطق حيوية، مثل: حضرموت والمهرة. وفي السودان، تستمر الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة إماراتياً، بينما تلوح تهديدات إثيوبيا للسيطرة على ميناء عصب الإرتيري.
هذا الاعتراف يأتي ليفجر كل هذه الملفات مرة واحدة، في محاولة لدفع المنطقة نحو حرب لا نهاية لها، تكون الميليشيات والجماعات المتناحرة وقوداً لها، في حين تسعى القوى الخارجية للسيطرة على المناطق الاستراتيجية، وإقامة قواعد عسكرية واستخباراتية.


نهاية وهم التطبيع وبدء مرحلة التقسيم


يظهر هذا الاعتراف تحولاً مهماً في الاستراتيجية «الإسرائيلية». فبعد أن وصلت اتفاقيات التطبيع إلى طريق مسدود مع الدول ذات السيادة، انتقل الكيان إلى مرحلة جديدة: تفكيك الدول نفسها. لم يعد الأمر يتعلق بإقامة علاقات مع حكومات قائمة، بل بتفتيت الدول وإعادة تركيب المنطقة وفق مصالح «إسرائيلية».
هذا التحول يعكس إدراكاً صهيونياً بأن عصر الاتفاقيات الإبراهيمية قد ولّى. لكن الخطر الآن أكبر، فبدلاً من السلام المزعوم، تقدم «إسرائيل» الفوضى والتقسيم والحروب الأهلية.
وفي سياقٍ متصل، تتداول تقارير عدة عن زيارات سرية قام بها رئيس الإقليم الانفصالي عبد الرحمن محمد عبدال إلى «إسرائيل»، وعن عروض باستضافة فلسطينيي غزة في هذه المنطقة غير المعترف بها دولياً. هذه المحاولات ليست جديدة، فقد طرح ترامب سابقاً خيارات مماثلة، لكنها قوبلت بالرفض.
اليوم، قد تحاول «إسرائيل» استخدام «أرض الصومال» كمكان لتهجير الفلسطينيين قسراً، خاصة مع الضغوط الدولية المتزايدة ضد التهجير من غزة. الاعتراف بالإقليم قد يكون الخطوة الأولى لخلق «وطن بديل» جديد للفلسطينيين، في منطقة نائية وغير معترف بها، مما يعني تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
خطوة الاعتراف هذه ليست مجرد مناورة دبلوماسية، بل هي إعلان حرب على الدول ذات السيادة في المنطقة. إنها جزء من مشروع إعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح «الإسرائيلية» والأمريكية. هذه الخطوات واستمرار سعي الكيان لإشعال الحروب، يدفع دول المنطقة إلى المزيد من التنسيق وبناء التحالفات وتجاوز الخلافات، بهدف أساسي، هو الحفاظ على استقرار وسلامة دول المنطقة، والتصدي للمخاطر الكبرى التي تهدد وجودها، وهذا ما يمكن أن يتسارع أكثر على وقع الدفعة الكبيرة التي تلقاها مشروع الفوضى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1258