قوة «حفظ الاستقرار» في غزة.. محطة صراع نفوذ جديدة...
ملاذ سعد ملاذ سعد

قوة «حفظ الاستقرار» في غزة.. محطة صراع نفوذ جديدة...

تشهد غزة، مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، تدهوراً متسارعاً في أوضاعها الإنسانية، في وقت تتواصل فيه الخروقات «الإسرائيلية» للاتفاق، بوتيرة يومية، بما يبقي الاتفاق عملياً في حالة هشة تُدار بالحد الأدنى من الالتزامات، فالقصف المتقطع، واستهداف مراكز الإيواء، ومنع إدخال المساعدات بالوتيرة المتفق عليها، باتت عناصر ثابتة في المشهد، فيما يدفع المدنيون وحدهم ثمن هذا الواقع، وسط شتاء قاسٍ وبنية تحتية مدمرة.

الأرقام الصادرة عن المؤسسات الصحية والإنسانية تؤكد عمق الكارثة: مئات القتلى والجرحى منذ بدء وقف إطلاق النار، آلاف العائلات التي فقدت المأوى بفعل الأمطار والانهيارات، وأكثر من ألف مريض قضوا وهم ينتظرون الإجلاء الطبي، والعديد من حالات الوفاة بسبب البرد الشديد، ومع ذلك، لا يزال التعامل الدولي مع غزة محكوماً بمنطق إدارة الأزمة لا إنهائها، وبحسابات سياسية تتقدم على الاحتياجات الإنسانية الملحّة.
في هذا السياق، يُفترض أن يشكّل الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محطة مفصلية نحو تثبيت وقف النار، وبدء مسار سياسي وإغاثي حقيقي، غير أن هذا الانتقال يصطدم بمماطلة «إسرائيلية» واضحة، تتذرع بشروط أمنية إضافية، وتربط تنفيذ التزاماتها بقضايا لم تكن جزءاً من الاتفاق الأصلي، في محاولة لإعادة التفاوض من داخل الهدنة نفسها، في المقابل، تواصل حركة حماس التزامها ببنود الاتفاق، رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة، متبنية سياسة الصبر وضبط النفس، في سلوك يبدو مدروساً لتفويت الذرائع ومنع الانزلاق إلى جولة قتال جديدة.
وتتزامن هذه المماطلة «الإسرائيلية» مع حراك دبلوماسي مكثف، كان آخره اجتماع ميامي الذي جمع الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا، لبحث مستقبل المرحلة الثانية، بما في ذلك تشكيل قوة دولية لـ«حفظ الاستقرار» في غزة، إلا أن هذا الطرح نفسه تحوّل إلى ساحة مساومات سياسية، حول تركيبة القوة، والدول المشاركة فيها، وصلاحياتها، ودورها في ملف نزع السلاح، بينما يستمر النزيف الإنساني على الأرض بلا توقف، فبدلاً من أن تكون هذه القوة أداة لحل المشكلة ولتخفيف المعاناة وضمان تدفق المساعدات، باتت جزءاً من صراع النفوذ الإقليمي والدولي.
الأخطر، أن هذا التعثر لا يمكن فصله عن حاجة «إسرائيل» البنيوية لاستمرار الحرب، أو إبقاء شبحها قائماً، فغزة ليست الساحة الوحيدة: التصعيد في سورية، والضغط العسكري في لبنان، والحديث المتجدد عن ضربة محتملة لإيران، كلها مؤشرات على أن منطق الحرب يعد نقطة مركزية في السياسة «الإسرائيلية» الحالية، سواء لأسباب أمنية أو سياسية داخلية، وفي هذا الإطار، يكون تعطيل المسار السياسي في غزة خياراً وظيفياً، لا مجرد تعثر تقني.
أمام هذا المشهد، تبدو غزة عالقة بين اتفاق هش وخطط مؤجلة، فيما الوقت لا يعمل لصالح سكانها، فالأزمة لم تعد تحتمل سنوات من الانتظار، أو حسابات القوة، بقدر ما تحتاج إلى قرار سياسي واضح يُلزم إسرائيل بوقف خروقاتها، ويضع حداً لاستخدام المعاناة الإنسانية كورقة تفاوض، قبل أن تتحول الهدنة نفسها إلى فصل جديد من فصول الحرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1258