روسيا تمضي بتحقيق أهدافها بالقوة في أوكرانيا
شهد الملف الأوكراني في الأسابيع الأخيرة تصاعداً واضحاً في حدّته العسكرية، ترافق مع جمود سياسي متعمّد، يبدو أنه لم يعد مجرّد نتيجة لفشل الجهود الدبلوماسية، بل جزءاً من إدارة الصراع بحدّ ذاته، ففي الوقت الذي تتقدّم فيه القوات الروسية بثبات على أكثر من محور، وتفرض وقائع ميدانية جديدة، لا يزال الخطاب الغربي، والأوكراني تحديداً، أسير وعود غامضة وخطط مؤجلة، تفتقر إلى أي أفق زمني واقعي لإنهاء الحرب.
تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة، والتي أكّد فيها أن موسكو «ستحقق أهدافها بالقوة إذا فشلت الجهود الدبلوماسية»، لا يمكن فصلها عن التطورات الميدانية، فروسيا، التي حافظت خلال الأشهر الماضية على وتيرة عمليات مستقرة ومدروسة، تبدو اليوم أكثر ثقة بقدرتها على حسم الصراع عسكرياً، أو على الأقل فرض تسوية بشروطها، هذا التقدّم لا يظهر فقط في السيطرة على مواقع جديدة، بل في إنهاك البنية القتالية الأوكرانية، واستنزاف احتياطها البشري والتقني، مقابل قدرة روسية على تعويض الخسائر والاستمرار بالضغط.
في المقابل، تبدو كييف عاجزة عن ترجمة الدعم الغربي إلى تغيير فعلي في موازين القوى، فالهجمات الأوكرانية، رغم طابعها الإعلامي العالي، لم تنجح في إحداث اختراق استراتيجي، وتعتمد بشكل متزايد على الدعم الخارجي، هذا الواقع يدفع إلى التساؤل حول جدية الحديث الغربي المتكرر عن «الحسم» أو «قلب المعادلة»، في ظل غياب أي مؤشرات عملية على ذلك.
اللافت أن المماطلة لا تقتصر على الجانب الأوكراني والأوروبيين، بل تشمل الأمريكيين أيضاً، فواشنطن، رغم إدراكها لتقدم القوات الروسية، لا تزال تطرح مسودات تسوية فضفاضة، تُجمّد الجبهات دون معالجة جوهر الصراع، فيما تستمر أوروبا في التمسك بخطاب متشدد، رغم كلفته السياسية والاقتصادية المتزايدة، هذا السلوك يوحي بأن إطالة أمد الحرب لا يزال خياراً مقصوداً، لا نتيجة عجز دبلوماسي فحسب.
والأحاديث عن خطط من عشرين بنداً، أو مناطق منزوعة السلاح، أو إدارة مشتركة لمحطة زابوريجيا، لا يغيّر من حقيقة أساسية: الوقت لا يعمل لصالح كييف، فكل يوم إضافي من القتال يعزز الموقع التفاوضي لموسكو، ويضعف قدرة أوكرانيا على المناورة، ومع استمرار هذا النهج، تبدو الحرب وكأنها تُدار بالوقت، لا بالحلول، فيما تُترك الساحات العسكرية لتفرض منطقها، بعيداً عن طاولات التفاوض المؤجلة.
في المحصلة، لا يبدو حتى الآن أن الأزمة الأوكرانية تقترب من تسوية حقيقية، بل من مرحلة تُحسم فيها الخيارات بالقوة، أو تُفرض فيها تسويات قسرية، نتيجة سياسة غربية اختارت تأجيل الاستحقاقات بدل مواجهتها، ولو كان الثمن حرباً مفتوحة بلا أفق، وتستنزف بالدرجة الأولى دول القارة الأوروبية لمصلحة نخبها المالية، وعلى حساب شعوبها، بمستويات معيشتهم وأمنهم الاستراتيجي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
نور الدمشقي