تونس.. تدني الوضع الاجتماعي والسياسي يدفع للعودة للاحتجاجات
تشهد تونس منذ أسابيع عودة لافتة للحراك الاحتجاجي إلى الشارع، في مشهد يعكس تراكماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لم يعد قابلاً للاحتواء بالوسائل التقليدية، فالاحتجاجات التي انطلقت في العاصمة تونس، وامتدت إلى مدنٍ ومناطق داخلية تباعاً، لم تعد محصورة في نخبة سياسية أو مطلب جزئي، بل أخذت طابعاً متعدّد الأوجه يجمع بين السياسي والمطلبي والاجتماعي والبيئي.
سياسياً، يأتي هذا التصعيد في ظل مناخ مشحون منذ إجراءات تموز 2021 التي قامت بها الحكومة التونسية، حيث ترى قوى معارضة وحقوقية أن البلاد تشهد تضييقاً متزايداً على الحريات، وتسييساً للقضاء، ومحاكمات قاسية طالت شخصيات سياسية ومحامين وصحفيين، في المقابل، تؤكد السلطة أن هذه الإجراءات تندرج في إطار «تطبيق القانون» ومكافحة الفساد والتآمر على الدولة، وترفض ما تعتبره محاولات لإعادة إنتاج منظومة حكم سابقة، أو فتح الباب أمام تدخلات خارجية في الشأن الداخلي التونسي، وبين هذين الخطابين، يتسع هامش الانقسام بين طرفين مختلفين ومتداخلين، ويتحول الشارع إلى ساحة التعبير الأساسية عن هذا الصراع، وبات يجمع بين مختلف التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية.
واللافت في الموجة الحالية من الاحتجاجات، هو ثقل البعد الاجتماعي-الاقتصادي فيها، فارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، ونقص المواد الأساسية، وتدهور الخدمات العامة، كلها عوامل دفعت فئات واسعة من التونسيين إلى النزول إلى الشارع، بعيداً عن الاصطفافات السياسية الاعتيادية سابقة الذكر، وتظهر التحركات في قابس ضد التلوث الصناعي، وفي القصرين وقفصة والكاف للمطالبة بالتشغيل والتنمية، أن الاحتقان لم يعد محصوراً في العاصمة، بل يطال عمق البلاد المهمّش منذ زمن طويل.
في هذا السياق، يبرز «الاتحاد العام التونسي للشغل» كلاعب أساسي في المشهد، فالاتحاد الذي راكم شرعية تاريخية ونقابية، لم يكتفِ بمساندة التحركات المطلبية، بل انتقل إلى مستوى أعلى بإعلانه الدعوة إلى إضراب عام في 21 كانون الثاني 2026، احتجاجاً على تآكل الحقوق الاجتماعية وتجميد الأجور، واعتراضاً على ما يصفه بتضييق المجال النقابي والسياسي... هذا الدور يعكس محاولة لإعادة ربط المشاكل السياسية بالاجتماعية، وتقديم مطالب ملموسة تتصل مباشرة بحياة المواطنين، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة ونسب نمو ضعيفة ودَينٍ مرتفع.
في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل هواجس السلطة التونسية من محاولات استثمار هذا الوضع عموماً، وهذا الحراك الشعبي، سياسياً أو خارجياً، في منطقة تعجّ بصراعات النفوذ والتدخلات، فالدولة التونسية من منظورها، ترى أن الاستقرار أولوية، وأن الانفلات قد يفتح الباب أمام سيناريوهات خطرة، ولكن المقاربة الأمنية وحدها، كما تُظهر التجارب المختلفة، لا تكفي لمعالجة أزمة ذات جذور اجتماعية عميقة.
تبدو تونس اليوم أمام مفترق حساس: شارع يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحريات، رافعاً شعاره السابق «شغل حرية كرامة وطنية»، وسلطة تسعى إلى تثبيت الاستقرار ومنع الانزلاق حسب تصريحاتها، وبينهما يكون الحل مرهوناً بفتح مسار سياسي-اجتماعي جاد، يعترف بمشروعية المطالب الشعبية، ويأخذ في الاعتبار مخاوف الدولة، ويُعيد الاعتبار والتأكيد على أن الحوار هو أفضل الخيارات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1257