الشراكة الروسية - الهندية... تماسك أمام التحديات العالمية
تواصل العلاقات الروسية – الهندية مسارها التصاعدي على الرغم من الضغوط الغربية المتزايدة. رسالةٌ سياسية حملتها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند، إيذاناً بانطلاق القمة الهندية–الروسية السنوية الثالثة والعشرين. والتي تزامنت مع مرور 25 عاماً على إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وصل الرئيس الروسي، في 4 كانون الأول إلى الهند، على رأس وفدٍ وزاريٍّ رفيع المستوى. في زيارة استراتيجية هي الأولى منذ 4 سنوات. حيث استقبله رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي بحفاوة بالغة، واصفاً الزيارة لاحقاً «بالحدث التاريخي» مؤكداً أن صداقة البلدين ستكون ركيزة «لمواجهة الأزمات الدولية مستقبلاً». من جانبه، أشاد بوتين «بالطابع العميق والتاريخي» للعلاقات الثنائية، وشكر الهند على دورها الفعال في محاولة حل الأزمة الأوكرانية. مشيراً إلى أن موازين القوى الدولية تشهد تحولات مع بروز مراكز جديدة، وأن الاستقرار بين الدول أساس لتقدم العلاقات الثنائية والدولية.
نتائج القمّة
أفضت القمة إلى توقيع أكثر من 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم شملت الدفاع والطاقة والصحة والزراعة والنقل والصناعة، إضافة إلى إطلاق خارطة طريق اقتصادية حتى عام 2030 تستهدف رفع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار مقارنة بـ 67 مليار حالياً. كما انعقد منتدى الأعمال الروسي – الهندي تحت شعار «تجارة متوازنة ونمو مشترك»، حيث ناقش الجانبان فرص الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية والرعاية الصحية والزراعة والابتكار الصناعي.
ناقش الطرفان توريد دفعات إضافية من منظومة S-400، والتصنيع المشترك لمقاتلة الجيل الخامس Su-57، وهي من أكثر الطائرات المقاتلة تطوراً في العالم. كذلك التعاون في أنظمة الرادار والإنذار المبكر. وأكد بوتين أن روسيا «لا تكتفي ببيع التقنيات للهند، بل تشاركها، وهذا أمر نادر جداً في مجال التعاون العسكري-التقني» ما «يعكس مستوى الثقة بين البلدين وبين شعبيهما». كما عرضت موسكو، توطين الإنتاج المشترك لمقاتلة «Su-57» فرط الصوتية الروسية في الهند. بالإضافة إلى إطلاق مفاوضات وتوقيع مذكرة تفاهم تمهيداً للتعاون في الإنتاج المشترك للطائرة المدنية الروسية «SuperJet»، وطائرة النقل الإقليمية «Il-114».
كذلك، تم الاتفاق على تعزيز التعاون في النفط والغاز، وتوسيع مشاريع الطاقة النووية المدنية بما في ذلك المفاعلات الصغيرة المعيارية.
كما أكد بوتين اتساع العلاقات الثنائية لتشمل تقنيات المستقبل، مشيراً إلى استعداد روسيا لشراكة واسعة مع الهند في مجال الذكاء الاصطناعي. وأبرز آليات عملية لتعزيز التجارة بين البلدين، أهمها اتفاقية التجارة التفضيلية بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وشدد على أنها ستؤثر إيجاباً على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. كما أشار إلى أن 90% من التعاملات التجارية بين البلدين تتم بالروبل والروبية، ما يعزز الاستقرار المالي ويقلل الاعتماد على الدولار.
واصفاً الهند بأنها «صيدلية العالم»، دعا مودي إلى تعزيز التعاون مع روسيا في إنتاج اللقاحات والأدوية المضادة للسرطان. ووقّع الجانبان اتفاقية لإنشاء مصنع متطور لهذه الأدوية في روسيا، يعتمد على التقنيات الهندية المتقدمة في التصنيع الدوائي. وكذلك، لفت الجانبان إلى أهمية مشروع ممر النقل «شمال- جنوب» لتقليل وقت وتكلفة الشحن. كما تم الاتفاق على تسريع الإجراءات الجمركية من خلال التحول الرقمي. وأشاد مودي بقرار روسيا توسيع قائمة الشركات المستوردة من الهند، ما يفتح آفاقاً جديدة للصادرات الهندية وخاصة المواد الغذائية المطلوبة عالمياً.
وفي أعقاب المحادثات، صرح بوتين أن «روسيا والهند تنتهج سياسات خارجية مستقلة بالتعاون مع دول بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتدفعان عجلة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدالة وديمقراطية».
بدأت ألاعيب واشنطن للحفاظ على هيمنتها بالبلطجة ترتد عليها. فبفعل سلسلة الضغوط التي مارستها على الهند لدفعها بعيداً عن موسكو، وكان آخرها فرض رسومٍ جمركية على الواردات الهندية وصلت نهاية شهر آب الماضي إلى 50 %، بذريعة استمرارها في شراء النفط الروسي، تندفع الهند تدريجياً نحو بناء تفاهمات جديدة ترسم ملامح شراكات شاملة ومتكاملة طويلة المدى. وكذلك الأمر على الصعيد الأوروبي، إذ تزامنت القمة الروسية – الهندية مع زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى بكين. لتعكس تناقضات أوروبية يصعب تجاوزها. فحيث تستمر الضغوط الأمريكية لإعاقة أي تقدم في العلاقات الصينية الأوروبية، يزداد الواقع الموضوعي رسوخاً بأنه للحفاظ على الوجود الأوروبي نفسه لا مفر من تطوير العلاقات مع القوى العالمية الصاعدة وعلى رأسها بكين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1255
حلا الحايك