الولايات المتحدة وإشعال العالم... آسيا نموذجاً
تطورات متسارعة وعميقة تشهدها الساحة السياسية العالمية، تتكثف آثارها على الساحة الآسيوية التي تمرّ بإحدى أكثر مراحلها اضطراباً وتواتراً في إعادة تشكيل خرائطها السياسية.
شهدت العلاقات الصينية-اليابانية تصعيداً دبلوماسياً حاداً خلال الأسبوع الماضي، إثر تصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية، ساناي تاكايتشي في 7 تشرين الثاني أمام البرلمان الياباني، حول تايوان، بأن أي هجوم صيني على تايوان قد يعد «وضعاً يهدد البقاء» ويؤدي إلى رد عسكري من طوكيو. وهو ما أدى إلى اضطرابٍ دبلوماسيٍ حادّ مع الصين التي لا تتهاون بالقضية التايوانية، وتعتبرها قضية داخلية صينية وفقاً للقوانين الدولية ومبدأ «الصين الواحدة». وهو ما جاء صريحاً في الرد الصيني، حيث استدعى نائب وزير الخارجية الصيني السفير الياباني في الصين و«قدم احتجاجاً جدياً بشأن التصريحات الخاطئة التي أدلت بها رئيسة الوزراء اليابانية». كما دعا الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان «الجانب الياباني إلى تصحيح أخطائه فوراً، والتراجع عن تصريحاته غير المبررة، وإلا سيتوجب عليه تحمل كل العواقب المترتبة على ذلك».
وطلبت الوزارة من المواطنين الصينيين تجنب السفر إلى اليابان في المستقبل القريب، مشيرة إلى تدهور العلاقات بسبب تصريحات تاكايتشي. وعبّرت عن «مخاوف جدية» بشأن التحركات العسكرية والأمنية لليابان في الآونة الأخيرة، بما في ذلك الغموض بشأن مبادئها غير النووية، وأشارت إلى أن قرار اليابان عدم استبعاد الحصول على غواصات نووية يشير إلى «تحول سلبي كبير في السياسة».
من جهة أخرى، أثارت نوايا تاكايتشي في مراجعة المبادئ غير النووية لسياسة اليابان الدفاعية، القلق الروسي أيضاً، حيث أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف «نتابع هذا الملف بالتأكيد، والغموض الذي يحيط به يثير قلقنا». تواجه روسيا بدورها عقوبات فرضتها اليابان في أيلول الماضي على أكثر من 60 شخصاً وكياناً روسياً بذريعة الحرب الأوكرانية. وفي ضوء استمرار هذه العقوبات، ردت روسيا بفرض حظر على دخول 30 مواطناً يابانياً للأراضي الروسية، بينهم دبلوماسيون وأكاديميون.
في سياق متصل، تأتي هذه الاضطرابات مع موافقة الولايات المتحدة على بيع تايوان تجهيزات ومعدات قيمتها 330 مليون دولار، في أول صفقة عسكرية مع الجزيرة منذ عودة الرئيس ترامب. والتي لاقت معارضة شديدة من الخارجية الصينية.
تزامن ذلك مع إعلان الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، بأن كوريا الجنوبية ستمضي قدماً مع الولايات المتحدة في بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية. خطوة أثارت قلق بكين، ورأت فيها تجاوزاً للعلاقات التجارية التقليدية، وتهديداً مباشراً لنظام منع الانتشار النووي العالمي، فضلاً عن تأثيرها المحتمل على استقرار شبه الجزيرة الكورية والمنطقة الأوسع.
تحذيرات روسية جدية
من جهته، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن موسكو قد تلجأ إلى إجراء تجارب نووية إذا أقدمت أي قوة نووية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، في إشارة إلى تصاعد سباق التسلح النووي في ظل التوترات المتزايدة في أوروبا وشرق آسيا.
يعزى التوتر في العلاقات الروسية اليابانية إلى النزاع حول جزر الكوريل الجنوبية، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، إذ استعادها الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب العالمية الثانية بموجب اتفاقيات دولية، مثل: إعلان القاهرة ويالطا، وتعتبر موسكو أن السيادة عليها تمثل «ثمرة النصر» ولا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف. وبرغم التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والاستثمار، تظل العلاقات الروسية اليابانية مشلولة سياسياً بسبب غياب معاهدة سلام رسمية، وهو ما تُحمّل روسيا مسؤوليته لليابان بسبب تبعيتها الاستراتيجية للولايات المتحدة ومواقفها المناهضة لموسكو.
أما العلاقات الصينية مع اليابان، فهي مشوبة بتاريخ طويل من العداء والتوتر، تعود جذوره إلى الحرب الصينية اليابانية الثانية، واحتلال اليابان لأجزاء واسعة من الصين، وبرغم العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري الضخم، فإن طوكيو ماتزال أداة استراتيجية للولايات المتحدة في محاولات احتواء الصين، خاصة في ظل النزاع على جزر دياويو/سينكاكو في بحر الصين الشرقي، حيث ترى الصين الموقف الياباني استفزازي وغير مشروع. وفي ضوء هذه الخلفيات التاريخية والسياسية، تنظر كلّ من الصين وروسيا بعين الريبة إلى النزعة
العسكرية اليابانية المتجددة، وتعتبرها تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي.
تعمل الولايات المتحدة على توتير عدد من الملفات في آسيا، وتعمل على توريط قوى أخرى في هذه الصراعات المكلفة، في محاولة لزجهم في معركتها مع الصين، بل وتسعى عبر إعادة إحياء النزعة العسكرية في اليابان إلى دفع روسيا لتوزيع قواها على جبهة جديدة، هذا التوجّه الأمريكي يعطي مؤشرات جدية على وجود نية حقيقة إلى رفع درجة التوتر في منطقة متوترة أصلاً، ما يمكن أن يتحوّل إلى صراع مفتوح.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1252
حلا حايك