السودان على حافة التصعيد: الحرب مستمرة والخطر من التصعيد الإقليمي
يستمر الصراع الداخلي في السودان بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع في التصاعد، مُلحِقاً دماراً واسعاً بالبنية التحتية وحياة المدنيين، وسط تطورات خطيرة تهدد باشتعال إقليمي أوسع. وقد برزت خلال الأسابيع الأخيرة ثلاثة محاور رئيسية للتوتر:
التصعيد العسكري عبر سلاح الطائرات المسيرة، والتهديدات الصريحة من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» ضد دول الجوار، والحديث عن مقترح أمريكي لوقف لإطلاق النار. سنناقش في هذا المقال العناوين الثلاثة السابقة.
المسيرات واستهداف مطار الخرطوم
في تطور يُنذر بتصعيد خطير في طبيعة القتال، لجأ طرفا الصراع بشكل متزايد إلى استخدام الطائرات المُسيرة كأداة حربية فاعلة، فقد استهدفت قوات الدعم السريع مواقع حيوية في العاصمة الخرطوم ومحيطها. وقد أعلن الجيش السوداني مؤخراً عن إسقاط مسيرات كانت تستهدف مطار الخرطوم الدولي، في خطوة تهدف بوضوح إلى تعطيل جهود إعادة افتتاح المطار الذي يُعد شرياناً حيوياً للإغاثة ولحركة المدنيين.
ويأتي هذا التصعيد في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي لإعادة تفعيل الممرات الإنسانية، ما يُعقّد الجهود الرامية لتخفيف
معاناة المدنيين، الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية كارثية بعد أكثر من 900 يوم من القتال العنيف. واستخدام المسيرات ذات المدى البعيد لا يعكس فقط تطوراً تكتيكياً في قدرات الدعم السريع، بل يشير أيضاً إلى مساعٍ جدية لإعاقة أي محاولة لاستقرار الوضع في العاصمة، التي استعاد الجيش السيطرة عليها في آذار الماضي بعد معارك ضارية.
تهديدات حميدتي ورسائل الضغط على مصر
في تصعيد سياسي وعسكري مقلق، وجّه حميدتي تهديداً صريحاً باستهداف «أي مطار في دولة مجاورة» تُطلق منه طائرات أو مسيرات ضد قواته، معتبراً إياها «أهدافاً مشروعة». وعلى الرغم من عدم تسمية الدولة صراحة، فإن السياق والتصريحات السابقة تشير بوضوح إلى مصر، التي اتهمها حميدتي مراراً بتقديم دعم جوي مباشر للجيش السوداني، بما في ذلك نشر طائرات عسكرية على أراضيها لصالح الخرطوم.
هذا التهديد لا يُعدّ مجرد تصريح عابر، بل رسالة ضغط سياسية موجّهة إلى القاهرة، التي تُصرّ على دعم مؤسسات
الدولة السودانية وخصوصاً الجيش، وتدعو باستمرار إلى وقف فوري لإطلاق النار. وربما يهدف حميدتي من وراء هذا التصعيد إلى إرباك الموقف المصري، أو دفعه إلى تخفيف دعمه للجيش، في محاولة لتعديل موازين القوى على الأرض. لكن مثل هذه التصريحات تحمل مخاطر جسيمة، إذ قد تفتح الباب أمام تدخلات إقليمية أوسع، في وقت يعاني فيه السودان من انهيار كامل في بناه الأمنية والاقتصادية.
مبادرة لوقف النار دون حضور الدعم السريع!
في سياق موازٍ، وصل وفد سوداني برئاسة وزير الخارجية محيي الدين سالم إلى الولايات المتحدة لمناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن المحادثات تركز على رؤية الجيش السوداني للحل، ولا تتضمّن أي مفاوضات مباشرة مع قوات الدعم السريع، الموقف السوداني يبدو بأنه يفاوض الجانب الأمريكي بوصفه الطرف القادر على التأثير على قوات الدعم السريع وحليفتها دولة الإمارات، خاصة بعد تجربة الوساطة الأمريكية التي فاقمت المشكلة منذ إعلان جدة.
في الوقت ذاته، حذّرت وكالات الأمم المتحدة الأربع- المنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية للاجئين، اليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي- من أن ملايين السودانيين، خصوصاً النساء والأطفال، يعيشون على حافة البقاء، في ظل انهيار كامل للخدمات الأساسية، وتفشّي المجاعة في مناطق واسعة.
حربٌ لا تنتهي وخطرٌ يتجاوز الحدود
بينما تتصاعد المعارك في الفاشر- أحد أبرز معاقل الجيش في دارفور- ويستمر استهداف المدن بالطائرات المسيرة، يزداد وضوحاً أن الصراع في السودان لم يعد مجرد مواجهة داخلية، بل بات يحمل بذور أزمة إقليمية قد تطال جيرانه، خصوصاً مع التهديدات الصريحة التي تطاول دولاً، مثل: مصر. وفي ظل غياب أي تقدم حقيقي في المفاوضات، واقتصار المبادرات الدولية- مثل المقترح الأمريكي- على حوارات من طرف واحد، تبقى فرص التسوية السياسية ضعيفة، بل ومشكوكاً في جدواها دون ضغط فعّال على جميع الأطراف، ولا سيما قوات الدعم السريع وداعميها الخارجيين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
معتز منصور