بوتين من فالداي: لا يقابل النار إلا بالنار...
عقد منتدى فالداي الدولي للحوار اجتماعه الـ 22 في الفترة بين 29 أيلول إلى 2 تشربن الأول في مدينة سوتشي الروسية، تحت عنوان «العالم متعدد الأقطاب: إرشادات الاستخدام»، وكعادته يشارك الرئيس الروسي بكلمة افتتاحية له، تعبّر عن موقف روسيا ورؤيتها الجيوسياسية والاستراتيجية تجاه العالم، ومختلف ملفاته وقضاياه، ليشير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكلمته إلى مواقف موسكو تجاه مختلف القضايا والقوى: العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب، الملف الأوكراني، الصراع الفلسطيني، الأمم المتحدة، وغيرها.
يأتي مؤتمر فالداي، وكلمة الرئيس الروسي الأخيرة في سياق تصاعد الصراع بين موسكو والغرب المجتمِع، ومن الممكن وضع نقطة علام أخيرة تنطلق من اجتماع ألاسكا، الذي جمع بين بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وما تلاه من محاولات غربية شتى لضرب أيَّ تقارب بين موسكو وواشنطن، وكان من أبرز عناوينها مؤخراً، الاتهامات الأوروبية لروسيا باختراق مقاتلاتها وطائراتها المسيرة المجال الجوي لعدد من الدول الأوروبية المنضوية في الناتو، ومنها: بولندا واستونيا ورومانيا والدنمارك وغيرها، وهو ما أنكرته روسيا باعتبارها ادّعاءات مزيفة، تهدف للاستفزاز وتعقيد الأوضاع أكثر... ومن جهة أخرى كانت حادثة احتجاز فرنسا لناقلة النفط «بوراكاي» التابعة لما يسمى بـ «أسطول الشبح الروسي» قبالة سواحل فرنسا أواخر شهر أيلول، قبل أن تفرج عنها بعد عدة أيام، ما شكل تهديداً جديداً يرفع من حدة توتر العلاقات الروسية – الأوروبية، ويؤثر على سوق النفط العالمي عموماً.
بمواجهة الغرب
أمام ذلك، وخلال كلمته في مؤتمر فالداي، اعتبر بوتين أن «التعددية القطبية كانت نتيجة مباشرة لمحاولة ترسيخ الهيمنة الغربية، وإن فشل هذه الهيمنة مسألة وقت فقط» ومن هذه الفكرة العامة تضع روسيا استراتيجيتها ورؤيتها، لكن رغم ذلك، اعتبر بوتين أن «إرساء التوازن وإيجاده أصبحا أكثر صعوبة، ومع ذلك، هذا لا يعفينا من واجب الاستعداد لكل ما قد يحدث».
لا يغفل أحد أن الإشارة الأخيرة تعني الاستعداد للمواجهة العسكرية المباشرة، خاصة وأن بوتين أكد في كلمته استعداد روسيا لإجراء تجارب نووية جديدة، وأشار إلى نشر أسلحة نووية تكتيكية في بلاده وفي بيلاروسيا، أقوى من تلك التي استخدمت في هيروشيما وناكازاغي، وبأسلحة أكثر تطوراً من التي يمتلكها الغرب.
إلا أن موسكو أكدت رغبتها وعزمها لمعالجة الخلافات وفق الحوار والدبلوماسية، سابقاً والآن، حيث ذكّر بوتين أن موسكو كانت أساساً قد قدمت طلباً فيما مضى للدخول إلى حلف الناتو، وهو ما تم تجاهله، بل وتم توسيع تواجد الحلف العسكري إلى حدود روسيا، مما شكل تهديداً لأمنها القومي.
وأشار بوتين، أن روسيا تتابع عن كثب تسليح أوروبا المتسارع، واعتبر – على ضوء الاتهامات الأخيرة بخرق الأجواء وغيرها من ادعاءات – أن الحرب الروسية الأوروبية محض «هراء» قائلاً « الأسطورة التي يرددها السياسيون الأوروبيون حول احتمال نشوب حرب مع روسيا هراء، ونحن نراقب عن كثب عسكرة أوروبا، وهذا أمر يتعلق بأمننا» فموسكو لا ترغب أكثر من الحفاظ على أمنها القومي، شأنها بذلك شأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ووفقاً للاحترام المتبادل، ولكن موسكو مستعدة لمواجهة أيَّ تهديدٍ أمني وعسكري «بشكل ساحق» إذا لزم الأمر.
كما وصّف بوتين قوة الغربيين حالياً بقوله: إن «قوة الولايات المتحدة وحلفائها وصلت في نهاية القرن الـ20 إلى ذروتها[...] لكن لا توجد، ولن توجد قوة قادرة على السيطرة على العالم» مؤكداً، أن العقوبات الغربية على روسيا قد وصلت ذروتها، وحققت رقماً قياسياً «لكن كل هذه الجهود باءت بالفشل، وقد أظهرنا فعالية في مقاومة التحديات غير المسبوقة».
الصراع الفلسطيني والأمم المتحدة
اعتبرت موسكو أن الوضع في منطقة غرب آسيا «متدهور، والغرب لم يستطع تقديم حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا يمكن حلّه وفق الوصفة الغربية» رغم ذلك قال بوتين: إن موسكو مستعدة عموماً لدعم مقترح ترامب حول غزة «إذا نظرنا عن كثب إلى المقترحات المقدمة، وإذا أدت إلى تحقيق الهدف النهائي الذي طالما تحدثنا عنه» مؤكداً، أن روسيا لطالما دعمت إقامة «دولة فلسطينية» وقال: «لدينا اتصالات مع حماس، ومن المهم لنا أن تدعمها حماس أيضاً، وأن تدعمها السلطة الفلسطينية».
ومن هذا الملف تطرق بوتين إلى موضوعة مؤسسة «الأمم المتحدة» قائلاً: إنه لا بد من «إصلاح منظمة الأمم المتحدة التي لديها مشاكل كثيرة، ولكن لا يوجد شيء أفضل منها»، وهو تأكيد روسي جديد للسعي إلى الحفاظ على هذه المؤسسة الدولية، التي أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية بمهمة الحفاظ على الأمن الدولي وإرساء الاستقرار والسلم الدوليين، إلا أنها بحاجة للإصلاح/الإنقاذ من الهيمنة والتحكّم الغربيين.
وفي هذا السياق، أكد بوتين أن نفوذ كلٍّ من منظمة شانغهاي للتعاون، ومجموعة دول البريكس «آخذ بالازدياد» وهو ما يعني على الساحة الدولية ازدياد، مقابل تفلص نفوذ مجموعتي العشرين، والسبع الكبار، الغربيتين.
وفي العموم، أكدت موسكو عبر كلمة بوتين في فالداي 3 نقاط: أن التعددية القطبية تجري على قدم وساق، وأن موسكو لم ولن ترغب أو تبادر بالحرب مع الغربيين، وإنما العكس، بالسعي للحلول الدبلوماسية عبر الحوار واحترام المصالح المتبادلة، إلا أنها، ثالثاً، مستعدة تماماً لأيِّ مواجهة عسكرية بشكل ساحق، فلا «يقابل النار إلا بالنار» وفقاً لبوتين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1246