استفزاز «إسرائيلي» في تايوان والوقوف عند حافة الهاوية!
يظهر في الآونة الأخيرة أن نشاط الحركة الصهيونية بات حاضراً في مجمل نقاط التوتر والاشتباك في العالم، وهو ما بدا واضحاً بعد محاولة عضو الكنيست الصهيوني بوعاز توبوروفسكي التدخل في ملف تايوان بعد زيارته الاستفزازية إلى تايبيه، والتي أثارت ردود فعل صينية غاضبة. في هذا المقال، محاولة لرصد أبعاد هذه الزيارة ودوافعها السياسية، ودلالاتها.
بعد لقائه في نيسان الماضي مع نائب الرئيس التايواني شياو بي-كيم، يعود النائب في البرلمان «الإسرائيلي» بوعاز توبوروفسكي ورئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين «إسرائيل» وتايوان إلى الواجهة مجدداً، وذلك في أعقاب زيارته في 19 أيلول 2025، على رأس وفد من مجموعة أعضاء في البرلمان إلى تايبيه، التقى خلالها بالرئيس التايواني ويليام لاي تشينغ-تي، وقدم إعلاناً مشتركاً وقّعه 72 نائباً «إسرائيلياً» يدعو إلى دمج تايوان في المنتديات الدولية في تحدٍّ وقح للصين.
الرد الصيني لم يتأخر. إذ أدانت بكين بشدة هذه الزيارة عبر بيان للسفارة الصينية لدى «تل أبيب»، ووصفت توبوروفسكي بأنه «مثير للمشكلات»، وانتقدت انتهاكه لمبدأ الصين الواحدة. كما حذّرته من أنه «إذا لم يتوقف عند حافة الهاوية، فسيتحطم».
وكانت بكين أكدت مراراً، بأنه لا يمكن المساومة والجدال فيما يتعلق بمحاولات دعم استقلال تايوان، فسياسة الصين الواحدة التي تعترف بها الأمم المتحدة- وحكومة الكيان رسمياً منذ 1992– تنص بأن تايوان جزءٌ لا يتجزأ من الصين. وبالتالي، إن أي خطوة تصعيدية في هذا السياق تعتبر تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية الصينية. وأي دعم خارجي لاستقلالها يُعد امتداداً للبلطجة الغربية، ومحاولة لإضعاف الصين من الداخل. ولذلك، لا يمكن قراءة زيارة نائب من «إسرائيل» إلا بوصفها جزءاً من الحملة العدوانية اتجاه بكين، وسعياً لتقسيمها.
سياق أبعد من الزيارة
لا تنفصل زيارة النائب «الإسرائيلي» عن السياق الأوسع للتوتر المتنامي في العلاقات الصينية–«الإسرائيلية»، خاصة في ظل تصاعد المواقف الصينية المناهضة للاحتلال الصهيوني، والتي انتقدت السياسات «الإسرائيلية» في غزة والضفة، ودعمت شرعية القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ودعت إلى «التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في غزة، والتخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية فوراً». وأكدت مراراً دعمها للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل ودائم لقضيته.
التموضع الصيني هذا أثار قلقاً متزايداً داخل الكيان، ودفع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو- أثناء اجتماعه بأعضاء المجالس التشريعية في الولايات المتحدة- لتحميل بكين المسؤولية في عزلة «إسرائيل» الدولية، واعتبر أنّها تساهم في تطويق الكيان معلوماتياً بالتعاون مع قطر، وباستخدام الذكاء الاصطناعي وتيك توك. وهو ما انتقدته السفارة الصينية، واصفةً إياها بتصريحات «تفتقر إلى الذكاء السياسي».
وفي هذا الإطار، تُقرأ زيارة توبوروفسكي لتايوان ليس فقط كدعمٍ رمزيٍّ لجزيرة تواجه «ضغوطاً صينية»، بل كرسالة دبلوماسية مضادة: الحركة الصهيونية ترد على بكين من خاصرتها الجيوسياسية، وتستخدم ملف تايوان كأداةِ ضغط في مواجهة الانحياز الصيني لخصومها السياسيين والعسكريين.
في سياق التحولات الجيوسياسية المتسارعة، ومع تصاعد التناقضات البنيوية داخل النظام العالمي القائم. وبالنظر إلى موقع الكيان الصهيوني كأداةٍ مركزية في منظومة الهيمنة الغربية، تتخذ الصين موقفاً أكثر حذراً في علاقتها معه، فالعلاقة بين الطرفين لم تُبنَ على أسس استراتيجية متكافئة، بل على مصالح ظرفية سرعان ما تآكلت بالتزامن مع الانكشاف السياسي والأخلاقي للكيان في ساحات الصراع، وظهر بشكلٍ لا يمكن إنكاره أنّه عرقلة لمسعى الصين في بناء تحالفات بين دول الجنوب العالمي أكثر استقلالاً وعدالة. هذا التدهور في العلاقة الثنائية، يرمز إلى تحولٍ أعمق في موازين القوى، حيث تسعى الصين إلى تجاوز أدوات الهيمنة القديمة، وتقديم نموذج عالمي بديل لا مكان فيه لكيانات وظيفية تابعة، بل لشراكات قائمة على السيادة والتعددية والاحترام المتبادل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245