الصراع العالمي اليوم: ليس فقط على الموارد، بل على بنية النظام الدولي
معتز منصور معتز منصور

الصراع العالمي اليوم: ليس فقط على الموارد، بل على بنية النظام الدولي

تشهد العلاقات بين روسيا وكونفدرالية دول الساحل الأفريقي تطوراً مستمراً، ففي إطار التحضير للقاء الوزاري الأفريقي-الروسي والمقرر عقده في القاهرة، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظرائه من دول الكونفدرالية في 24 أيلول الجاري، وهو اللقاء الأول بعد أن أعلن الطرفان في نيسان الماضي عن شراكة استراتيجية.

فما سر هذا التقارب؟ وكيف يمكن قراءة العلاقة بين الطرفين؟

كلمات وزير الخارجية الروسي كانت واضحة، إذ قال: إن هذه اللقاءات ستصبح دورية، وأشار إلى تقارب كبير في المواقف بين روسيا ودول الكونفدرالية حول أغب القضايا، وقبل الغوص في دوافع بناء علاقة من هذا النوع، ينبغي أن نوضح طبيعة وحجم التعاون الحالي.

العلاقة الروسية مع كونفدرالية دول الساحل

منذ موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) بين عامَي 2020 و2023، كان واضحاً أن قادة هذه الانقلابات يولون أهمية كبرى لبناء علاقات نوعية مع القوى الصاعدة، ولا سيما روسيا. وتطورت هذه العلاقات بشكل مطّرد، على حساب تراجع النفوذ الغربي، وصولاً إلى طرد القوات الأمريكية والفرنسية، واستبدالها بقوات محلية وبدعم أمني من شركاء جدد.

يتمحور التعاون الروسي مع دول الكونفدرالية في المجال العسكري حول التدريب، وتوريد الأسلحة، والمساعدات الأمنية، مع حضور ملحوظ لعناصر من «الفيلق الأفريقي» في مالي بشكل خاص، حيث يشاركون في محاربة الجماعات الإرهابية والانفصالية. ورغم الجدل المحيط بهذه المجموعات، فإن الحكومات المحلية ترى فيها شريكاً أكثر فاعليةً واحتراماً لسيادتها مقارنةً بالقوات الغربية.

لا يقتصر التعاون على الجانب الأمني، بل يمتد إلى المجالات الاقتصادية الحيوية، خصوصاً قطاع التعدين واستخراج اليورانيوم. فبعد أن طردت النيجر الشركات الفرنسية من هذا القطاع الاستراتيجي، سارعت موسكو إلى عرض شراكة شاملة. فقد أعلن وزير الطاقة الروسي أن «مهمتنا لا تقتصر على المشاركة في استخراج اليورانيوم، بل تشمل إنشاء نظام كامل لتطوير الطاقة النووية المدنية في النيجر». وتأكيداً على هذا التوجّه، وقّعت وزارة الطاقة النيجرية مذكرة تفاهم مع شركة «روساتوم» الروسية، كما شارك ممثلون من النيجر في «أسبوع الذرة العالمي» المنعقد في موسكو. وبشكل عام تُظهر الإحصائيات التجارية نمواً في حجم التجارة يتجاوز 100 مليون دولار

فهم أعمق لطبيعة العلاقة

بالعودة إلى السؤال الأول حول «سرّ» هذه العلاقة، يمكن القول: إن أي صراع عالمي غالباً ما يوصف بأنّه صراعٌ على النفوذ، أو السيطرة على الموارد، أو تقاسم الخرائط والحصص بين الدول. وقد يكون هذا الوصف دقيقاً إلى حدٍّ كبير إذا تعلّق الأمر بالحرب العالمية الأولى، بل وحتى الحرب العالمية الثانية والحقبة التالية. لكن سحب هذه الإحداثيات على الواقع العالمي المعاصر يؤدي إلى استنتاجات خاطئة، ويحول دون فهم اللوحة الدولية بكامل تعقيداتها.

ففي الوقت الذي تظل فيه الموارد وبناء التحالفات عوامل مهمة، فإن جوهر الصراع العالمي اليوم أعمق من ذلك بكثير. إنه صراعٌ حول النموذج المهيمن، وطريقة بناء المؤسسات الدولية، وأسس النظام العالمي ذاته. فإذا حاولنا تصنيف أطراف هذا الصراع، فقد نراه بين مجموعة السبع (G7) والغرب الجماعي من جهة، ودول «بريكس» و«مجموعة شنغهاي» من جهة أخرى، أو «الشمال» مقابل «الجنوب»، أو «النادي الإمبريالي» مقابل «القوى الصاعدة». لكن المشترك بين كل هذه التصنيفات هو أن الطرف الثاني– أي القوى الصاعدة أو الجنوب العالمي– متضرر من النظام القائم، ولا يمكنه تحقيق تنميته الحقيقية إلا عبر كسر وتفكيك النظام العالمي الحالي، القائم على الأحادية القطبية، لفتح المجال أمام بناء نظام عالمي أكثر عدالةً وديمقراطية.

هذا الفهم الأوسع للصراع يساعدنا على رسم صورة أوضح لما يجري في العالم، وبخاصة في أفريقيا، ودول «كونفدرالية الساحل» تحديداً. فكثيراً ما يُبسَّط ما يحدث هناك على أنه مجرد صراع بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وفرنسا من جهة أخرى، وبأن روسيا تسعى إلى طرد النفوذ الغربي للاستيلاء على الموارد ونهب خيرات هذه الدول، تماماً كما فعل الاستعمار الغربي سابقاً. لكن هذا التحليل السطحي يغفل الأسباب العميقة للتحولات الجارية.

ومن الواضح أن روسيا، من جهتها، مستعدة للاستفادة من هذه الفرصة ليس فقط لإلحاق ضربات استراتيجية بخصومها الغربيين، بل أيضاً لبناء شراكات طويلة الأمد مع دول تسعى إلى تعزيز استقلالها وفك ارتباطها بالتبعية للغرب.

ما يجري في دول الساحل ليس مجرد تبديل للاعبين في ساحة نفوذ تقليدية، بل هو جزء من تحوّل جيوسياسي أوسع، يعكس رغبة جماعية في إعادة تشكيل النظام الدولي. والشراكة الروسية مع هذه الدول، رغم مصالحها الخاصة، تأتي في سياق هذا السعي الجماعي نحو نظام عالمي أكثر توازناً، لا يُحتكر فيه القرار من قبل كتلة واحدة، بل يُبنى على مبدأ الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245