كمبوديا وتايلاند.. خلافات حدودية بصناعةٍ وتحكّمٍ غربي
ملاذ سعد ملاذ سعد

كمبوديا وتايلاند.. خلافات حدودية بصناعةٍ وتحكّمٍ غربي

شهدت بؤرة توتر جديدة من تركات الاستعمار الأوروبي تفجيراً جديداً يوم الخميس الماضي، وهي المناطق الحدودية المتنازع عليها بين كمبوديا وتايلاند في منطقة الهند الصينية، ليظهر تأكيدٌ جديد على الألغام التي تركها الاستعمار في مستعمراته السابقة، فمن له المصلحة بذلك؟

تعود الخلافات بين تايلاند وكمبوديا إلى ما بعد أفول الاستعمار الفرنسي عن منطقة الهند الصينية، تاركاً خلفه خريطة إشكالية رسمها بنفسه، ووضع فيها عدة نقاط توتر خلافية بين البلدين من أبزرها: معبد بوذي ذو بعد تاريخي وثقافي يتعلق بالشعبين... ومنذ ذلك الحين بقيت هذه المسألة موضع شد وجذب سياسي يتحكّم بها الغربيون عبر تايلند بالدرجة الأولى، والمتموضعة ضمن المعسكر الغربي منذ أيام الحرب الفيتنامية، علماً أن محكمة العدل الدولية قد قضت مرتين بالحكم لصالح كمبوديا في الماضي، مرة في 1962 والأخرى في 2013.

في هذا السياق، ليس جديداً حدوث اشتباكات عسكرية بين البلدين، وكان من آخرها بين أعوام 2008 و2011 وراح ضحيتها آنذاك 28 قتيلاً من الطرفين، إلا ان الاشتباكات الحالية كانت غير مسبوقة بحجمها، حيث استخدمت طائرات مقاتلة وقصف مدفعي ودبابات فضلاً عن الاشتباكات البرّية الحدودية، وتجاوز عدد القتلى من الطرفين 33 شخص خلال ثلاثة أيام، وبدأت التهديدات والتخوفات من تدهور الأمور نحو «حرب» شاملة قبل أن تبدأ لغة التهدئة بالظهور وضوحاً يوم السبت 26 تموز الجاري بعد عقد جلسة لمجلس الأمن، حيث قال السفير الكمبودي لدى الأمم المتحدة تشيا كيو: إن بلاده تريد وقف إطلاق النار، وأعلن «طلبت كمبوديا وقفاً فورياً لإطلاق النار، دون شروط، وندعو أيضاً إلى حلّ سلمي للخلاف».

ومن غير الواضح تماماً من أطلق شرارة جولة الاشتباكات الأخيرة هذه بالمعنى العسكري، وكلاً من الطرفين يعتبران أنهما «يدافعان عن النفس»، إلا أن تدهور العلاقات جرى بعد تسريب رئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين في شهر أيار الماضي تسجيلاً صوتياً يتضمن تصريحات أدلت بها رئيسة الوزراء التايلندية بايتونغتارن شيناواترا في وقت سابق، ويحتوي انتقادات توجهها لجنرالات عسكريين في بانكوك، ومرتبطة بالنزاع الحدودي، مما أثار أزمة سياسية وردود فعل في تايلاند.

رغم ما سبق، وغيره الكثير يبقى السؤال الأوّلي: من له مصلحة بتفجير هذا النزاع؟ ومن البديهي أن الصين لا ترغب بتوترات على حدودها وتخومها، وبالتأكيد ليس ضمن المنطقة المطلة على بحر الصين الجنوبي، وبالتأكيد ليس ضمن دولة تستضيف قاعدة عسكرية لها، وهي كمبوديا.

من جهة أخرى، فإن للولايات المتحدة كلّ المصلحة بحدوث مثل هكذا توترات تشغل الصين، وخاصة بهذه الفترات التي يشيع بها الغربيون عن تزايد احتمالات من قيام بكين بعملية ما تتعلق بتايوان، كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يخفي خصومته مع الصين، وتركيزه عليها ومواجهتها كأولوية للمصالح الأمريكية.

لكن، وفي الوقت نفسه، سرعان ما أتى ترامب في اليوم الثالث معتبراً نفسه المخلّص وراعي السلام بين البلدين، ويسعى لوقف إطلاق النار بينهما، معلنا أن الطرفين قد بدآ محادثات بهذا الشأن بالفعل، ليبدو أن واشنطن تهدف للتلويح بهذه الورقة أمام الصين على الأقل، كتهديد وتحذير من تفجيرها بشكل واسع.

من جهة أخرى، من غير المتوقع أن تستفيد الولايات المتحدة من هذا الأمر على المدى الطويل بحال تفجيره فعلاً، حيث من الممكن، وباحتمالات أكبر، أن تمضي التطورات بعكس الطموحات الأمريكية، وتلقي بتايلاند بعيداً عن تموضعها السابق، ولصالح الصين، فضلاً عن عدم قدرة الولايات المتحدة على خوض معركة جديدة وطويلة مضافة إلى معركتي أوكرانيا والشرق الأوسط المفتوحتين واللتين تمضيان بغير مصلحة واشنطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1236