معبر زنغزور: تنافس إقليمي ومحاولة أمريكية للاستثمار في الفوضى
عاد ملف معبر زنغزور إلى واجهة التوترات الإقليمية في جنوب القوقاز، بعد إعلان السفير الأمريكي في أنقرة، توم باراك، عن اقتراح جديد تقوده الولايات المتحدة لإدارة الممر من قبل شركة لوجستية أمريكية. ويأتي ذلك بعد إعلان طهران إفشال مشروع الممر، رداً على مطالبة تركيا بدعم إنشائه، مما أثار تساؤلات حول تداعيات هذا المقترح الأمريكي على التوازنات الإقليمية.
الممر يهدف إلى ربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان عبر منطقة سيونيك الأرمينية، مما يجعله محور صراع جيوسياسي معقد يشمل أذربيجان، أرمينيا، تركيا، إيران، وروسيا، بالإضافة إلى القوى الدولية، مثل: الولايات المتحدة.
السياق التاريخي: جذور الصراع
يعود الخلاف حول معبر زنغزور إلى التحولات التي شهدتها المنطقة عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. في تسعينيات القرن الماضي، بعد حرب ناغورنو قره باغ الثانية عام 2020، التي انتهت بانتصار أذربيجان بدعم تركي، وضم إقليم قره باغ إلى أذربيجان، نص اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثي (أذربيجان، أرمينيا، روسيا) على فتح خطوط نقل برية تربط أذربيجان بناخيتشيفان بإشراف وتأمين من السلطات الروسية. ومع ذلك، ظل تنفيذ هذا البند مثار جدل بسبب تعارض المصالح الإقليمية والتأويلات المختلفة بين يريفان وباكو.
اللافت في توقيت الطرح الأمريكي، محاولة استثمار العلاقة المتوترة بين روسيا وأذربيجان من جهة، وكذلك الضغوط الكبيرة التي تمارس على أرمينيا قبيل الانتخابات، مع محاولة لقطع العلاقات التاريخية التي تربط روسيا بأرمينيا، بالإضافة إلى أولويات إيران بعد العدوان الصهيوني على أراضيها، ربما ترى الإدارة الأمريكية أن هذا الوقت المناسب لطرح مثل هذا المشروع بغية تغذية التناقضات القائمة.
تفاصيل الاقتراح الأمريكي
وفقاً للوثيقة المقترحة، ستحتفظ أرمينيا بسيادتها الرسمية على منطقة سيونيك، لكن إدارة الممر ستُسند إلى شركة لوجستية أمريكية خاصة حصلت على الترخيص اللازم. على أن توزّع الأرباح إذا تم الاتفاق فعلاً ليكون 40% من الدخل الناتج عن الممر من حصة الولايات المتحدة، و30% من حصة أرمينيا، مع تخصيص النسبة المتبقية للأطراف أخرى. وبخصوص الأمن، سيتولى ألف موظف من شركة عسكرية أمريكية خاصة تأمين الممر، مع الحق في استخدام القوة إذا لزم الأمر، وأشارت تقارير إلى أن المدة المقترحة أمريكياً تمتد لـ 100 عام، مما أثار جدلاً واسعاً حول النوايا الحقيقية للمشروع. هذه التفاصيل أثارت تساؤلات حول ما إذا كان الاقتراح مجرد مناورة جيوسياسية أم مشروع حقيقي يهدف إلى خلط الأوراق وتقليص النفوذ الروسي.
موقف تركيا وأذربيجان: رؤية مشتركة مع اختلافات
تتقاطع المواقف التركية والأذربيجانية في رفض أي إشراف خارجي على الممر، لكنهما تختلفان في الخطاب السياسي. تؤكد أذربيجان على سيادتها الكاملة على الممر، معتبرة إياه طريقاً يربط أراضيها الرئيسية بإقليم ناخيتشيفان، وترفض أي تنازلات لأرمينيا، حيث يصر الرئيس إلهام علييف على أن يكون الممر خالياً من الرقابة أو الجمارك الأرمينية. من جانبها، ترى تركيا الممر كجزء من الممر الأوسط، الذي يربط الشرق بالغرب عبر آسيا الوسطى، مما يعزز نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في العالم التركي.
تسعى تركيا إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم حليفتها أذربيجان ومراعاة المخاوف الإقليمية لإيران وروسيا. الأمر الذي إنْ نجحت تركيا في هذا التوازن، قد يحول الممر إلى بنية تحتية استراتيجية تُعيد تشكيل خريطة الطاقة والتجارة في القوقاز.
منصة تعاون إقليمي أم محور نزاع؟
بدلاً من أن يكون معبر زنغزور محور نزاع جيوسياسي، يمكن أن يصبح منصة للتعاون الإقليمي إذا تمت إدارته بتوافق بين الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن الاقتراح الأمريكي يحاول فرض نفوذ غربي في منطقة جنوب القوقاز في لحظة حساسة في جنوب القوقاز، وتنتهز لحظة قلقة في توازن القوى.
يواجه المقترح معارضة من إيران التي تراه تهديداً استراتيجياً، وتحفظات من تركيا وأذربيجان اللتين ترفضان أي إشراف خارجي. في المقابل، تحاول أرمينيا المحافظة على سيادتها، ولكن تتعرض لابتزاز كبير، وخاصة بعد محاولتها التقرب والتنازل للغرب، المشروع الذي يبدو حالياً نقطة صراع وتوتر إقليمي يمكن أن يتحول إلى منصة تعاون إقليمي، وطريق ربط إذا ما استطاعت الدول المعنية والإقليمية المجاورة إعلاء مصالحها، وعدم السماح لواشنطن الاستثمار في التوترات البينية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236