كيف تُوسّع المفوضية الأوروبية سُلطتها؟

كيف تُوسّع المفوضية الأوروبية سُلطتها؟

نجت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من محاولة لسحب الثقة منها، كان قد قادها مطلع تموز الحالي نواب في البرلمان الأوروبي على خلفية اتهامهم لها بإساءة استخدام السلطة، والفساد في ملف لقاحات كورونا. وكما جرت العادة، ركّز الإعلام السائد على شخصها وقراراتها المثيرة للجدل، متجاهلاً التناقضات البنيوية الأعمق بين دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، خاصة بين البرلمان الأوروبي والمفوضية. تجلى ذلك بوضوح مع الحدث الأكثر أهمية سياسياً واجتماعياً، وهو إقرار ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2028–2034 بمبلغ تريليوني يورو، وما سبقه من صراع شديد حول زيادة الإنفاق وكيفية ترشيده، ولأي القطاعات والدول ستعطى الأولوية.

كي نفهم التناقضات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية. فالأول، هو برلمان منتخب من الشعوب الأوروبية، بينما الثاني، أي المفوضية، يتم ترشيح أعضائها من الدول الأعضاء، ويصوت البرلمان عليهم. وبينما يمكن اعتبار المفوضية بمثابة السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي التي تدير الميزانية وبرامج الإنفاق يمثل البرلمان السلطة التشريعية.

في إطار مناقشة كيفية توزيع ميزانية الاتحاد الأوروبي، طرحت رئيسة المفوضية فون دير لاين عدداً من الاقتراحات التي أثارت حفيظة عدد كبيرة من الدول والأحزاب السياسية. أهم هذه الاقتراحات التي أُقرت، كان تشكيل «الصندوق الأوروبي للتنافسية» European Competitiveness Fund – ECF، إذ قامت فون دير لاين بدمج أكثر من اثني عشر برنامجاً كانت تدار بشكل منفصل في هذا الصندوق، وقالت: إن الهدف هو تسهيل إدارتها وتقليل البيروقراطية. لكن كثير من المراقبين يرون في هذه الخطوة سعياً لمركزة السلطة في المفوضية الأوروبية، وبيد فون دير لاين. يضاف إلى ذلك، أن المفوضية تعتزم في المستقبل توزيع التمويل بناءً على الأداء، أي أن الدول التي تفي بمعايير معينة فقط هي من ستحصل على الدعم. فحتى اليوم، تُربط الأموال الأوروبية بالالتزام بسيادة القانون، لكن الآن تم توسيع هذه المعايير وربطها بإصلاحات تفرضها المفوضية الأوروبية على الدول، مما يضعف قدرة الحكومات الوطنية على السيطرة على قرارات الإنفاق. وهذه الآليات المقترحة جعلت كثيراً من المحتجين يشيرون أن ما تسعى إليه المفوضية هو أن تجعل الآلية التي اتبعوها بشكل استثنائي خلال أزمة اليونان عُرفاً. ففي ذلك الوقت فرضت الترويكا (المفوضية الأوروبية + البنك المركزي الأوروبي + صندوق النقد الدولي) شروطاً مجحفة وحزمة تقشف صارمة على اليونان لكي تقدم التمويل الاستثنائي. وما تسعى إليه المفوضية الأوروبية الآن هو أن يصبح حتى توزيع الميزانيات الأوروبية العادية خاضعاً لشروط مشابهة، مما قد يحول هذه الأموال لأداة للتلاعب والابتزاز.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تحاول فيها فون دير لاين فرض سلطة المفوضية. ففي آذار الماضي، فعّلت رئيسة المفوضية برنامج «إعادة تسليح أوروبا» (Rearm Europe)الذي تصل ميزانيته إلى 800 مليار يورو، متجاوزة البرلمان، واستندت إلى المادة 122 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي، والتي تتيح هذا التجاوز فقط في حالات الطوارئ.

كما قامت مؤخراً بسحب اقتراح قدّمه البرلمان الأوروبي كان يهدف إلى محاربة ما يسمى «الغسل الأخضر» (Greenwashing) – بهدف تشديد محاسبة الشركات التي تدعي أنها تتخذ إجراءات للحفاظ على البيئة، ويُكتشف عكس ذلك. تم سحب الاقتراح من قبل المفوضية من دون الرجوع إلى البرلمان الأوروبي، أو التشاور معه، مما أثار استياءً شديداً في صفوف تكتلات الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، مما أدى إلى مقاطعة عدد كبير من أعضاء هذين التكتلين لجلسة التصويت على سحب الثقة من فون دير لاين احتجاجاً. فهذان التكتلان يرفضان من ناحية دعم أي معروض تقترحه الكتل اليمينية المتطرفة (كمعروض سحب الثقة المشار إليه) لكنهم لم يرغبوا بدعم توجهات فون دير لاين فاختاروا التغيب. وقالت النائبة الإيطالية سيسيليا سترادا من كتلة الاشتراكيين والديمقراطيين S&D: إن المفوضية «خانت التفويض» الذي حصلت عليه من البرلمان، مشيرة إلى قضايا عدة، مثل: سياسات الهجرة، الوضع في فلسطين، التسلّح، المناخ، والسياسات الاقتصادية الاجتماعية.

النقاش حول صلاحيات المفوضية الأوروبية يعكس تحديات أعمق في بنية الاتحاد ذاته، حيث تصبح مسألة التوازن بين السلطة التنفيذية والرقابة الديمقراطية أكثر تعقيداً، كلما أرادت الطبقة المسيطرة الإنفاق في غير صالح الشعوب ولصالح رؤوس الأموال والحروب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235