لمحة موجزة من صحافة الكيان: «الخروج قبل أن نغرق أكثر»!
خلال الساعات والأيام القليلة الماضية، نشرت صحافة الكيان عدداً من المقالات التي تحاول تقديم صورة تحليلية للواقع الحالي، سواء قبل الضربة الأمريكية أو بعدها، فبعد عشرة أيام من بدء المواجهات في الشرق الأوسط، وفي ظل رقابة شديدة على ما يتم نشره داخل «إسرائيل» تنشر بعض المقالات التي تعالج المسألة من أبعادها الاستراتيجية.
تُعد «قاسيون» عرضاً موجزاً لبعض أهم الأفكار التي يجري تداولها.
من ترامب إلى كينيدي
قبل أن يتخذ ترامب قراراً بتوجيه ضربة إلى إيران كتب إبراهام تسفي مقالاً بعنوان «الانضمام إلى الحرب؟ معضلة ترامب أكثر تعقيداً مما تبدو عليه» يُوضّح فيه حجم التقارب بين الظروف التي يعيشها ترامب اليوم، وتلك التي عاشها الرئيس جون كيندي أثناء أزمة الصواريخ الكوبية 1962، حينها كان كيندي يفكر بالخيارات المطروحة أمامه على الطاولة، لكنّه كان يخشى عواقب توجيه ضربة جوية لكوبا، وتحديداً بعد أن علم أن الصواريخ هناك جاهزة للإطلاق فوراً، يقول تسفي: «يتردد الرئيس الأمريكي الخامس والأربعون حالياً فيما إذا كان عليه إرسال قاذفاته الثقيلة لتدمير المنشأة المحصّنة في فوردو، وإلحاق ضرر كبير بالمشروع النووي الإيراني، وهذا التردد الطويل يدل على أنه، خلافاً لصورته النمطية، لا يتصرف بتهوُّر، بل يدرك تماماً تعقيد الموقف». ويشير الكاتب إلى أن ضرب إيران يمكن أن يكون حافزاً لترامب، ففي حال نجح يمكن أن يتحوّل إلى «مهندس النصر على [محور الشر]» بحسب تعبيره، لكن ترامب على يقين بحسب المقال، أن «اختراق منشأة فوردو لا يعني بالضرورة انهيار النظام الإيراني» كما أنّ المضي قدماً في هذا الاتجاه سيخلق «جدلاً حاداً داخل معسكره بين التيار الانعزالي المتمسك بشعار «أميركا أولاً» والمعارض لأي تدخُّل عسكري مكلف في الخارج». ويرى الكاتب: أن ترامب يدرك أيضاً مخاطر التورط في الصراع، وما يعنيه ذلك من «أزمة اقتصادية ومالية ممكنة داخل الاقتصاد الأمريكي نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، وإغلاق ممرات بحرية استراتيجية، وهجمات متوقعة على القواعد الأميركية في العراق».
«كيف نحمي نفسنا من الغرق»!
في قناة N12 العبرية، نشر مقال بعنوان «أن ننهي في الوقت المناسب، كما في لبنان وليس كما في غزة» استعرض فيه الظرف الحساس الذي تعيشه «إسرائيل» وورد فيه: «الزمن ليس زمناً عادياً، والواقع في الولايات المتحدة يتغير أمام أعيننا؛ فالرئيس ترامب محاط اليوم بتيارَين متعارضين في رؤيتهما إزاء مستوى التدخل الذي ينبغي للولايات المتحدة أن تنتهجه في مواجهة التطورات العالمية. وعلى الرغم من أن هذه الرؤية الأيديولوجية لا تنبع من مشاعر مؤيدة أو معادية لإسرائيل، فإن إسرائيل، باعتبارها حليفة للولايات المتحدة، مرشحة لأن تتضرر بصورة كبيرة جداً من تأثير أصوات المعسكر الانعزالي، فعلى سبيل المثال؛ عقب الهجوم في إيران، استخدم أحد قادة هذا المعسكر تعبير «يجب التخلي عن إسرائيل (Drop Israel) « في نداء إعلامي مباشر إلى الرئيس».
وعرض أن القيادة الصهيونية ستكون ملزمة بذلك أن تختار الوقت المناسب لإيقاف الحرب، لتكون أقرب إلى الحرب في لبنان منها إلى الحرب في غزّة، وعرض كتاب المقال عاموس يادلين وميخال حطوئيل ثلاثة خيارات أمام «إسرائيل»:
الأول: يعتمد على الاكتفاء بـ «الإنجاز الحالي والسعي لإنهاء الحرب» لكن هذا الخيار يعني فعلياً عدم إنجاز أهداف الحرب، ولذلك عرض الكتاب سلبيات مهمة إذ قالوا: «الإنجازات الحالية غير كافية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى، ولن تُحسّن موقف [إسرائيل] أمام إيران مستقبلاً».
الثاني: يكون التصعيد لتوسيع الإنجاز دون آلية لإنهاء الحرب حالياً، وهو ما يعني «توسيع الضربات على البنى التحتية واستهداف رموز النظام وحتى القيادة المدنية» ما يمكن أن يحقق بحسب المقال: «نصراً كاملاً» لكن لهذا الخيار سلبيات أيضاً أبرزها «ارتفاع وتيرة الضربات على [إسرائيل] وأضرار اقتصادية مستمرة، وإخفاقات عملياتية محتملة، مع ضغوط دولية متوقعة لإنهاء الحرب» لكن السلبية الأبرز هي: أن تتجاوز الحرب الممتدة «النقطة المثلى لإنهائها».
الثالث: والأخير يقوم على تحديد سقف زمني لإنجاز الأهداف وعدم الانجرار إلى حرب طويلة، مع ما يعنيه ذلك من تحقيق أهداف تبدو شديدة الصعوبة يدرك حجمها كتاب المقال، وهم لذلك وضعوا جملة من الشروط، كان أبرزها أن تضمن «إسرائيل» مكاسبها حتى بعد التوصل لتفاهمات لإنهاء الحرب.
من التشدد إلى التحليل الاستراتيجي
ضمن الآراء التي يجري عرضها هناك تيارات متشددة عبّر عنها جوناثان أديري في يديعوت أحرونوت، ووجه دعوة للقيادة في «إسرائيل» إلى عدم الخوف من عواقب الاشتباك وقال: «يثبت التاريخ أن الدول القوية لا تطمح إلى الهدوء. إنها تطمح إلى الاشتباك الدائم والمدروس، لأنه الطريق الوحيدة إلى تطوير القدرات والوصول إلى التفوّق. في العالم الفوضوي والمتغير، التخطيط في المكاتب عبارة عن وهم. فالتفوق يُبنى عبر العلاقة بالواقع بشكل دائم. [إسرائيل] دولة لديها قدرات مذهلة، ولا يمكن أن تسمح لنفسها بترف الخوف. إن عقيدة الامتناع من الاشتباك دفنتنا تحت أنقاض النظرية، أمّا عقيدة الاشتباك، فهي التي تقودنا إلى النصر ويجب الاستمرار فيها في اليوم التالي، بعد تحقيق الإنجازات العسكرية والدبلوماسية في إيران».
قدّم مركز دراسات الأمن القومي، قراءة تحليلية شاملة انطلق فيها من أن إيران ورغم الضربات لا يظهر فيها أي تهديد حقيقي وفوري لاستقرار النظام، بل إن الضربات التي ينفذها جيش الاحتلال تزيد من اللحمة الوطنية، وتزيد الشعور بالتضامن الوطني.
وبحسب المقال الذي نشره المركز، تسعى إيران إلى إيجاد شكل مناسب لإدارة المعركة واستراتيجية الخروج منها، وهنا يرى الباحث أن إيران متمسكة بالخروج مع برنامجها النووي والنظام القائم، هذا فضلاً عن الحفاظ على المنظومات الاستراتيجية الحيوية وتحديداً الصواريخ، ما يعني فعلياً أن تخرج إيران منتصرة.
وعرض مركز الأمن القومي المشهد من منظور «إسرائيل» وقال: إن صناع القرار أمام خيارين: «الاستمرار في المعركة لتعميق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني واستهداف الأصول العسكرية والأمنية الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى مزيد من تآكل قدرات إيران وزعزعة استقرار نظامها» ويحمل هذا الخيار مخاطر كبرى وتحديداً «خسائر بشرية وأضرار بالبنى التحتية [الإسرائيلية]، فضلاً عن احتمال تحوُّل الحرب إلى صراع ممتد أو التوسع في اتجاهات غير استراتيجية، مما قد يُضعف الشعور بالإنجاز، ويُبعد التركيز عن الهدف الأساسي المتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي».
والخيار الثاني: «السعي لوقف إطلاق النار، لكنه قد يعني عدم تحقيق الإنجاز الكامل، خاصة في المجال النووي، حيث من غير المرجح أن تقدم إيران تنازلات جوهرية في هذه المرحلة، نظراً لعدم شعورها بتهديد وجودي لقدراتها الاستراتيجية بعد. لذلك، يتعين على [إسرائيل] أن تستنفد أقصى المكاسب الممكنة قبل وقف القتال لتجنب حرب استنزاف غير مجدية. وفي كل الأحوال، سيعتمد موقف [إسرائيل] إلى حد كبير على الموقف الأمريكي، سواء فيما يتعلق باستمرار الحرب أو أي تسوية مستقبلية» ويضيف: «بغض النظر عن كيفية انتهاء الصراع، سواء باتفاق سياسي أو وقف لإطلاق النار دون تسوية، يجب على [إسرائيل] أن تكون مستعدة لمواجهة طويلة الأمد مع إيران، سواء عبر عمليات عسكرية مباشرة، أو عمليات سرية بالتعاون مع الولايات المتحدة، لمنع إيران من إعادة بناء برنامجها النووي، أو التقدم نحو امتلاك سلاح نووي».
هذه اللمحة الموجزة لما كتب خلال الأيام القليلة الماضية يظهر أن النشوة التي أعقبت الضربة العدوانية الأولى اقتربت على الانتهاء، وبدأ يظهر لدى المحللين حجم المخاطر المترتبة على الورطة الجديدة، فبعيداً عن الأصوات التي تحرّض على توسيع العمليات العسكرية، هناك أصوات تعلم أن استمرار الحرب لوقت أطول يمكن أن يلحق هزيمة استراتيجية في الكيان.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1231