ما هي قصة مظاهرات قطاع غزة؟

ما هي قصة مظاهرات قطاع غزة؟

شهدت الأيام الأخيرة تطورات جديدة في الملف الفلسطيني، وسط استمرار نهج الحرب والإجرام الصهيوني، كان عنوانها الأبرز إعلامياً «مظاهرات ضد حماس» في قطاع غزة، وموافقة حماس على مقترح جديد للإفراج عن بعض الرهائن «الإسرائيليين».

تعرضت حماس في قطاع غزة لضغوط كبيرة جداً منذ السابع من أكتوبر، عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، إلا أنّ أياً من هذه الضغوط لم تكن داخليّة أو شعبيّة بالطريقة التي يحاول «الإسرائيلي» والإعلام المرتبط به تصويرها؛ فحماس وباعتبارها معنية بإدارة قطاع غزة نتيجة لتطورات تاريخية سابقة، كانت على الدوام تتعرض لضغوط وانتقادات داخلية – بصرف النظر عن مدى حجمها- كأي «سلطة» في أي مكان وزمان، وهي ليست المرة الأولى التي يخرج بها فلسطينيون باحتجاجات معارضة لها، وهو شأن فلسطينيّ داخليّ بالدرجة الأولى والأخيرة.

ما يهمنا هو توصيف هذا الحال الداخليّ بشكلٍ حقيقي وبأسبابه الفعلية؛ فالإعلام «الصهيوني» يصوّر الحدث بشكل محدد، ويبني منه استنتاجات يضخها كجزء من دعايته الحربية. والحقيقة أنه في الـ 25 من الشهر الجاري خرج الآلاف من الفلسطينيين بمظاهرات في شمال قطاع غزة، في بيت لاهيا وجباليا، ضد الحرب «الإسرائيلية» مطالبين بوقفها ورافضين نزوحهم مجدداً، ومن بين التجمع، عند لحظة ما، بدأ بعض الأفراد بإطلاق هتافات مناهضة لحماس، وانضم لهم العشرات، ولكن هذا الأمر بقي محدوداً جداً، وغير معبر عن الاتجاه العام السائد ضمن هذه الاحتجاجات.

مسائل أساسية في فهم ما يجري

أولاً: إن المظاهرة الرئيسيّة والتي غُيّبت عن المشهد الإعلامي، في الحقيقة تتقاطع مع خط حماس وتصلب موقفها، بتأكيد الفلسطينيين رفضهم «التهجير» أو «النزوح» مجدداً.

ثانياً: خروج بعض الأصوات المنهكة من الحرب ضد حماس، وفي سياق الإجرام والموت والجوع الذي يعصف بالقطاع بيد الصهيوني أولاً وأخيراً، يعد حدثاً أقل من طبيعي، وهو أمر يمكن فهمه حتى لو كان غير مبرر، ولكن استخدامه في الدعاية السياسية «الإسرائيلية» أمر مختلف كلياً.

ثالثاً: مع ذلك، فإن الاحتجاج كان صغيراً وبالعشرات، إلا أن المفارقة نجدها لدى الإعلام الصهيوني نفسه، الذي كان يقول على الدوام قبل استئناف حربه وبعدها: إن حماس تجنّد المئات بل والآلاف من المقاتلين الجدد، وإذ كان الصهيوني يمرر هذا القول تبريراً لنفسه باستهداف المدنيين، إلا أنه حقيقي من ناحية أن المقاومة الفلسطينية، بتنوْع فصائلها، هي أساساً مقاومة شعبيّة مسلّحة بوجه الاحتلال، وحماس إحدى تنظيماتها.

رابعاً: وانطلاقاً من ذلك، سواء حماس أو غيرها من الفصائل، فإن وجودهم ومسمياتهم كان أساساً وعلى الدوام حالة مؤقتة فرضتها ظروف محددة، وطالت مدتها بسبب هذه الظروف نفسها، إلا أنها جميعها تصب في نهاية المطاف في إطار «الوحدة الوطنية الفلسطينية» النقيضة للفصائلية، وهي الوحدة التي يجري العمل عليها من مختلف الفصائل والقوى السياسية منذ سنوات، وليعود مؤخراً الصوت عالياً باتجاه وحدة قطاع غزة والضفة الغربيّة، ومن هذا الأمر، كنقاش مسبق فقط، فإن حلّ حماس أو أي فصيل آخر، واندماجها سويةً باسم جديد ما، يعدّ خطوة للأمام أعلى وأقوى، سيصوّرها الصهيوني إعلامياً وكأنها انتصارٌ له، إلا أنه هو الأعلم بمدى خطورة هذا الأمر، ولذلك أيضاً يقف بوجه مساعي توحيد القطاع والضفة الغربية.

أخيراً، أعلنت المقاومة الفلسطينية في غزة موافقتها على مقترح من الوسطاء بالإفراج عن بعض الأسرى «الإسرائيليين» مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين، ووقف إطلاق النار خلال فترة العيد تحديداً، مجددين تأكيدهم القديم بترحيبهم بتولي شخصيات وطنية جديدة مستقلة إدارة القطاع، إلا أن ذلك لا يعني تخلّيهم عن سلاحهم، وهو خط أحمر، وذلك لا علاقة له بالاحتجاجات الداخلية كما يصوّر الصهيوني، بل إن موافقة المقاومة بهذا الإطار جاءت كمناورة جديدة بالتعاون مع الوسطاء العرب بهدف سياسي يُحرج الكيان، ويُضعف روايته التي يدعي فيها رفض المقاومة للإفراج عن الأسرى وعرقلتها للمقاوضات، وبذلك فإن هذه الخطوة تضعف نهج الحرب «الإسرائيلية» من أساسها، وتزيد من تصدعاته داخلياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1220