«المعادن مقابل الأمن» ... الكونغو تبحث عن المخرج
تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية- وهي واحدة من أغنى الدول بالموارد الطبيعية في العالم- صراعاً متجدداً بين حركة «إم 23» المتمردة والسلطات الحكومية. هذا الصراع، الذي يتركز في شرق البلاد، ليس فقط نتيجة عوامل داخلية، بل هو أيضاً نتيجة لصراع دولي، وتنافس على استغلال الثروات الهائلة التي تتمتع بها الكونغو، وخاصة المعادن النادرة، مثل: الكوبالت والليثيوم.
استمرار الصراع وتعقيداته
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة القتال بشكل كبير، حيث سيطرت حركة «إم 23» على مدن استراتيجية مثل: غوما وبوكافو في كانون الثاني وشباط الماضيين. هذه التحركات جاءت وسط اتهامات من الحكومة الكونغولية لدولة رواندا المجاورة بدعم الحركة المتمردة، وهو ما تنفيه رواندا بشدة. ومع ذلك، فإن هذه الاتهامات تعكس تعقيدات العلاقات الإقليمية والدولية في المنطقة، حيث تلعب المصالح الاقتصادية دوراً محورياً في التصعيد الحالي.
وفي هذا السياق، حاولت عدة أطراف دولية الدخول كوسيط لحل النزاع، سواء بين الكونغو ورواندا، أو بين الحكومة الكونغولية والمتمردين. لكن هذه الجهود واجهت صعوبات كبيرة بسبب ارتباطات خارجية متشابكة، مما دفع السلطات لتقديم التنازلات مباشرة، وبشكل صريح للولايات المتحدة الأمريكية، آملة أن تستخدم واشنطن نفوذها لدفع حركة «إم 23» إلى وقف هجماتها. حيث أعلن الرئيس، فيليكس تشيسكيدي، مؤخراً عن استعداد بلاده لشراكة مع الولايات المتحدة، تقوم على مبدأ «المعادن مقابل الأمن». وفقاً لهذا المقترح، ستتيح الكونغو استخراج ومعالجة معادنها الحيوية لصالح الشركات الأمريكية، مقابل دعم أمريكي في بناء قدراتها الدفاعية والأمنية.
فرص السلام في قطر
في 28 آذار، وصل ممثلو حركة «إم 23» إلى الدوحة للتفاوض مع السلطات الكونغولية، في خطوة كانت تُعتبر واحدة من الفرص الأخيرة لوقف الحرب ومنع توسعها. ومع ذلك، فإن هذه المحادثات جاءت بعد سلسلة من الفشل في جهود الوساطة السابقة، بما في ذلك تلك التي رعتها أنغولا.
المتمردون، الذين انسحبوا من محادثات سابقة في رواندا بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي على قياداتهم، أكدوا أنهم لن يشاركوا في أي حوار إلا إذا اعترفت الحكومة الكونغولية بمظالمهم، وأسباب الصراع الجذرية. زعيم الجناح العسكري للحركة، كورنيل نانغا، رفض كذلك نتائج الاجتماع الذي عقد بين زعيمي الكونغو ورواندا في قطر، مشيراً إلى أن تحقيق السلام دون مشاركة حركته سيؤدي إلى الفشل. وهو ما تسعى إليه قطر من خلال الحوار مع المتمردين والسلطات في راوندا والكونغو؟
الضغوط الاقتصادية والسياسية
الصراع في الكونغو ليس مجرد مسألة سياسية أو أمنية، بل هو أيضاً مسألة اقتصادية. فالكونغو تمتلك ثروات معدنية تقدر بنحو 24 تريليون دولار، وهي ضرورية لصناعة التكنولوجيا الحديثة. ومع ذلك، يبدو أن بعض الجهات الدولية تستغل وتغذي حالة عدم الاستقرار لتأمين امتيازات اقتصادية. على سبيل المثال: وصف تشيسكيدي الصفقة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع رواندا لتخصيص حوالي 935 مليون دولار مقابل الحصول على المعادن بأنها «فضيحة مطلقة»، متهماً الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في «سرقة ونهب الكونغو».
يبقى الوضع في الكونغو معقداً ومليئاً بالتحديات. كما أن الضغوط الخارجية والتدخلات الإقليمية تجعل من الصعب تحقيق سلام دائم. في ظل تحكم واشنطن والأوربيين بمسار التفاوض، من خلال العقوبات والتنازلات المطلوبة من الأطراف المتحاربة، ومع ذلك، فإن أي خطوة نحو السلام يجب أن تأخذ في الاعتبار الأسباب الجذرية للصراع، وتضع حداً لاستغلال الموارد الطبيعية للكونغو من قبل جهات أجنبية. فالسلام المستدام في الكونغو ليس فقط مسألة أمنية، بل هو أيضاً مسألة عدالة اقتصادية، وإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220