السودان... الجيش يتقدّم ومخاطر التقسيم قائمة
كنان دويعر كنان دويعر

السودان... الجيش يتقدّم ومخاطر التقسيم قائمة

ابتداءً من منتصف العام الماضي، شهد السودان تطورات عسكرية وسياسية كبيرة أعادت رسم المشهد الداخلي للبلاد. الجيش السوداني، الذي خسر السيطرة على العديد من المدن والولايات الاستراتيجية خلال عام ونصف من الصراع مع قوات الدعم السريع، أعلن حملة شاملة لاستعادة زمام الأمور. هذا التحول من الدفاع إلى الهجوم جاء نتيجة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في تعزيز موقف الجيش.

التحول العسكري من الدفاع إلى الهجوم

على الصعيد الداخلي، لعب دعم القوات الشعبية دوراً محورياً في تمكين الجيش من استعادة السيطرة. بعد ارتكاب قوات الدعم السريع انتهاكات خطيرة في المناطق التي سيطرت عليها، مثل: ود مدني وسنجة عاصمة ولاية سنار، تصاعدت مشاعر الرفض الشعبي لهذه القوات. كما أن صمود الجيش في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، وعدة جيوب في العاصمة خرطوم، حال دون توسع قوات الدعم السريع ومنعها من التحرك بحرية.
وعلى المستوى الخارجي، قام عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، بخطوات دبلوماسية مهمة. فأعاد العلاقات مع إيران، وعزز الروابط مع تركيا والجزائر، بالإضافة إلى وضع أسس متينة للعلاقات مع روسيا. كما قام بجولات عدة في دول أفريقية لضمان عدم دعمها لقوات الدعم السريع، مما ساهم في تقويض الدعم الإقليمي الذي كانت تحظى به هذه القوات.
مع تقدم الجيش السوداني، استعاد السيطرة على النقاط الأكثر أهمية، بما في ذلك المربع السيادي الذي يضم القصر الرئاسي، وهو ما يمثل نصراً معنوياً واستعادة للشرعية. كما سيطر على السوق العربي والوزارات السيادية، مما فتح الباب أمام الحديث عن عودة الحكومة للعمل من العاصمة الخرطوم، بعد أن نقلت أعمالها مؤقتاً إلى بورتسودان.
التحركات السياسية: تنافس الشرعيتين
توازى مع التطورات العسكرية، حراك سياسي مكثف يعكس تأثير الصراع على مستقبل البلاد السياسي. الجيش السوداني والقوات الموالية له بدأت في التحضير لتشكيل حكومة تصريف أعمال، وتشكيل مجلس السيادة من 11 شخصاً، ستة منهم يعينهم الجيش.
في المقابل، حشدت قوات الدعم السريع الأحزاب والتجمعات السياسية والمسلحة المتحالفة معها في اجتماع عقد في نيروبي بتاريخ 22 فبراير/شباط الماضي. خلص المؤتمر إلى التوقيع على «ميثاق تأسيسي» يهدف إلى الإعلان عن دستور مؤقت، وتشكيل حكومة في مناطق سيطرتها. هذه الخطوة أثارت مخاوف من تقسيم السودان، حيث قد يؤدي وجود حكومتين متنافستين إلى تفاقم الأزمة.
وفي هذا السياق، رفض مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي محاولات تشكيل حكومة سودانية موازية، ودعا المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بهذه الخطوة. كما تواجه الحكومة الموازية المقترحة تحديات كبيرة، منها: الانقسام داخل تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية المعروفة اختصارا باسم «تقدم»، وعدم استقرار المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الرفض الإقليمي والدولي الواسع لأي خطوات قد تؤدي إلى تقسيم السودان.
بات واضحاً أن السودان يحتاج إلى استثمار الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش عبر خطوات سياسية موازية تهدف إلى استعادة وحدة البلاد. الوضع الاقتصادي المدمر والهشاشة السياسية التي تعاني منها البلاد تتطلبان بناء تحالفات وطنية قوية تعيد بناء الدولة على أسس مستقرة. تاريخياً، شهد السودان تقلباً في التحالفات السياسية والعسكرية، مما يجعل مهمة استعادة السيطرة على الدولة وحماية الوحدة والاستقرار ضرورة قصوى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1219