التغييرات الاستراتيجية في أفريقيا: مسار نحو الاستقلال والسيادة
كنان دويعر كنان دويعر

التغييرات الاستراتيجية في أفريقيا: مسار نحو الاستقلال والسيادة

تتخذ الدول الأفريقية خطوات مهمة ضمن ما يمكن تسميته «الصحوة الثانية» وهي مرحلة جديدة من النهضة ضد الاستعمار والتبعية الغربية، وعلى الرغم من أن القارة الأفريقية حصلت على استقلالها السياسي عن الاستعمار الغربي خلال القرن العشرين، إلا أن هذا الاستقلال لم يكن كاملاً أو ناجزاً، أما اليوم، تخوض الدول الأفريقية معركة أخرى لتحقيق استقلال حقيقي وسيادة وطنية، من خلال بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل بدلاً من التبعية، وحماية المصالح الوطنية، وتعزيز دورها الإقليمي والدولي.

أبعاد النهضة الأفريقية

يمكن النظر إلى النهضة الأفريقية من بعدين رئيسيين.
الأول: وطني، حيث تعمل كل دولة على تحقيق استقلالها الكامل وسيادتها الوطنية.
الثاني: دولي وإقليمي، تسعى من خلاله الدول الأفريقية للتعبير عن مصالح دول الجنوب العالمي في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية. فأفريقيا تمتلك مقومات هائلة تجعلها مؤهلة للعب دور مهم على الساحة الدولية، سواء من حيث الموارد البشرية أو الطبيعية أو الثروات الباطنية. هذه الإمكانيات تضع القارة في موقع استراتيجي يتيح لها التفاعل مع القوى الصاعدة، والتكتلات الاقتصادية والسياسية التي تلعب دوراً متزايداً على المستوى الدولي.
في سياق التعددية القطبية التي بدأت تحل محل النظام الأحادي القطبي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية لعقود، تلتقي أفريقيا مع قوى صاعدة، مثل: روسيا والصين في الدفاع عن نظام عالمي أكثر توازناً وعدالة، بعيداً عن الهيمنة الغربية والقواعد التي تضمن مصالح مراكز الإمبريالية التقليدية.

التحديات الداخلية والخارجية

رغم هذه الفرص الواعدة، لا تزال أفريقيا تعاني من ملفات عالقة ومعقدة تعيق تقدمها، ومن أبرزها: الإرهاب، والنزاعات المحلية، وعدم الاستقرار السياسي، والانتماءات العرقية والقبلية التي تشكل عائقاً أمام بناء الدولة الوطنية. كما تشهد القارة صراعات بين الدول المتجاورة، والتي غالباً ما تكون مدفوعة بتدخلات خارجية تستثمر في هذه الانقسامات لتحقيق مصالحها الخاصة.
على سبيل المثال: أكدت جاكي لي، عضو القوات الأمريكية السابقة في النيجر، أن رحيل القواعد العسكرية الأمريكية من النيجر يمثل «انتكاسة استراتيجية كبيرة». إذ تم إنشاء هذه القواعد عام 2012 بهدف معلن هو مكافحة الإرهاب، لكن الهدف الخفي كان الوقوف بوجه التوسع الروسي في القارة الأفريقية. هذا التدخل الأجنبي ليس حالة معزولة، بل يعكس نمطاً عاماً من الضغوط التي تتعرض لها الدول الأفريقية من قبل القوى الغربية.

تنوع القوى الأفريقية

تتميز القارة الأفريقية بثراء مذهل في تنوع الدول المؤثرة، حيث تستمد كل دولة قوتها وثقلها من عناصر فريدة، تجعلها تحتل مكانة خاصة ضمن نسيج القارة. فهناك دول تعتمد على ثرواتها الطبيعية الهائلة، مثل: أنغولا ونيجيريا التي تزخر بالموارد النفطية، والجزائر التي تُعتبر ركيزة أساسية في مجال الطاقة. وفي الوقت نفسه، تبرز جمهورية الكونغو الديمقراطية كواحدة من أغنى دول العالم بالمعادن النادرة، مما يمنحها أهمية استراتيجية كبيرة. وعلى الصعيد الثقافي والسياسي، تأتي دول، مثل: إثيوبيا وجنوب أفريقيا لتلعبا دوراً ريادياً في تشكيل المشهد السياسي والثقافي للقارة. أما مصر، فتتميز بموقعها الجغرافي الفريد الذي يجعلها جسراً طبيعياً بين العالم العربي وأفريقيا، مما يعزز دورها كبوابة تواصل.
إن التنوع في مصادر القوة في أفريقيا، وحالة عدم التمركز، تعيق نشوء قوى عظمى من القارة، لكنها وفي الوقت نفسه تفرض على هذه الدول بناء نوع من التشارك والتنسيق فيما بينها، يمكن من خلاله تثبيت وزن حقيقي على الساحة الدولية لا يمكن تجاهله.

الضغوط الغربية وضرورة التوازن

تشترك جميع الدول الأفريقية الوازنة في مواجهة ضغوط هائلة تهدد أمنها القومي. الضغوط التي تسعى لضمان استمرار السيطرة على المنطقة، أو لإعاقة نفوذ القوى الصاعدة. على سبيل المثال: تعرضت مصر لضغوط كبيرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما اعتبرته القاهرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي. رد الفعل الأمريكي كان التلويح بقطع المساعدات، والتهديد بملفات أخرى تحت السيطرة الغربية.
هذا السلوك الغربي يفرض على الدول الأفريقية إعادة بناء علاقاتها الدولية بشكل يحقق التوازن. الحديث هنا لا يعني الانتقال من معسكر إلى آخر، إذ لا يوجد حالياً قطبان متنافسان على الساحة العالمية. بل يتعلق الأمر ببناء علاقات متوازنة مع الدول جميعها، وهو ما يعتبر تعبيراً ملموساً عن التعددية القطبية. تنويع العلاقات وبناء شراكات تحترم سيادة الدول يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقلال الحقيقي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217
آخر تعديل على الأحد, 09 آذار/مارس 2025 21:02