الانتخابات الألمانية ونهاية عصر التطرف النيو ليبرالي
بعد انتخابات 2021 الألمانية تصدر المشهد مجموعة عرفت مجازاً بـ ”إشارة المرور” وهي تحالف يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والخضر، والليبراليين الأحرار، ويعتبر هذا التحالف الكتلة السياسية الأكثر تطرفاً ضمن النسخة النيوليبرالية، وكان يعبّر عن طبيعة القوى المطلوبة أمريكياً.
إسقاط الحكومة
بعد إعلان وصول ترامب للسلطة في أمريكا، برزت الخلافات والتصدعات في الائتلاف الحكومي، وفي نهاية العام الماضي برزت قضية الميزانية كخلاف بين مكونات الائتلاف وطلب حينها المستشار الألماني أولف شولتس من شركائه الإسراع في إنجاز الميزانية، لكن بسبب تصاعد الخلاف مع الليبراليين حول قضايا سقف الدين، ومجوعة من إجراءات التقشف التي طالب بها الليبراليون أدى في نهاية المطاف إلى إقالة وزير المالية كرستيان ليندر زعيم الحزب الليبرالي، الأمر الذي أجبر شولتس على طلب الثقة بالبرلمان في 16 كانون الأول لتسقط بعدها حكومته، والتي وصفت بأنها الحكومة الليبرالية الأكثر تطرفاً، والدعوة لانتخابات مبكرة في 23 من شباط 2025.
عناصر نظام التطرف النيو ليبرالي الألماني
كانت ألمانيا آخر قلاع التطرف الليبرالي بعد سقوطهم في فرنسا وهولندا والسويد والنمسا ومجموعة أخرى من دول أوروبا الغربية، وجاءت الدفعة الأخيرة لهم بحكم متانة الاقتصاد الألماني قياساً لأزمات دول الجوار، والدعم من حلف الأطلسي بوصول بايدن للسلطة في أمريكا، ويمكن اختصار سياسة التحالف الحكومي الألماني بعناصر مميزة لهم، فهم متطرفون بمعنى العولمة، وتحطيم المنافسين، كما جرى بالعلاقة مع روسيا والصين، ومتطرفين في حرية الأسواق والخصخصة، ومتطرفين بالعلاقات الدولية ومحاولة فرض السلطة الإمبريالية حول العالم، ومتطرفين على مستوى البيئة وفرض ضرائب استثنائية على الوقود الأحفوري، مما أدى إلى تدمير قطاع صناعة السيارات، ومتطرفين على مستوى العائلة وقيمها ضمن مبدأ الحرية الفردية المطلقة ومتطرفين في قيم الجندرة وتغيير الجنس، هذه العوامل كلها دفعت ألمانيا إلى ركود لمدة عامين، ومع التضخم وانخفاض الدخل الحقيقي، وزيادة الهوّة في المجتمع الألماني بين الأغنياء والفقراء، أدى ذلك في النهاية إلى موجة من التذمر الشعبي، أطاحت بحكومة الائتلاف، مدعومة بالانتصار الهائل باختيار ترامب المحافظ.
التوقعات وأزمة الحكم الألماني
بحسب موقع GMS الألماني الشهير المختص بالتوقعات السياسية، فإن الحزب المسيحي الديمقراطي سيحقق نصراً واضحاً بالانتخابات المقررة في 23 شباط ،ليحصل على أكثر من 30% من مقاعد البرلمان، بينما سيخسر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثر من 10% من مقاعده قياساً بالانتخابات السابقة، وحزب الخضر سيبقى على المستوى نفسه، بينما لن يصل الليبراليون إلى عتبة الدخول للبرلمان وهي 5% من الأصوات، وسيتقدم بعشر نقاط على حزب البديل لأجل ألمانيا الموصوف بالتطرف اليميني، أما اليسار فمن المتوقع أن يبقى عند 5% و حزب اليسار الجديد عند 5% ، وجاء برنامج المسيحي الديمقراطي ليؤكد تراجع الحزب عن برنامجه التاريخي، خاصة زمان المستشارة الألمانية ميركل، ليبدأ عصراً من تشديد الرقابة على الهجرة، وحق اللجوء، وقدم في برنامجه مراجعة لبدل العطالة عن العمل، وسيتراجع الحزب المسيحي الديمقراطي بحسب برنامجه عن سياسيات تحالف إشارة المرور كلها، حيث وعد برفع الضرائب عن الوقود الاحفوري، وتعديل نظام الضرائب، وإنهاء العمل بسياسيات التحديد الجنسي وحق القاصر والطفل لتغير جنسه، وإنهاء العمل بقانون تنظيم المخدرات، لكنه أكد على العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا و»إسرائيل» وسياسية كبح الصين وروسيا، أي أنه لن يتراجع عن العولمة، وحرية الأسواق، في اختلاف مع برنامج المحافظين الأمريكيين تحت شعار التصدير القوة الرئيسية لألمانيا، فكل فرصة عمل من أربع فرص يخلقها لتصدير.
أما حزب البديل فإنه يتبع سياسة التقارب مع روسيا، وإنهاء حالات الحرب، والانكفاء الألماني إلى السوق الداخلية، مما يجعل تحالفاتهم مع الحزب المسيحي الديمقراطي صعبة، لكن مؤشر التقارب الحاصل بعد تصويت نواب مع المسيحي الديمقراطي لصالح مشروع قرار في البرلمان لتشديد قانون الهجرة، قدمه حزب البديل، عزز الشكوك بإمكانية حصول ائتلاف مع حزب البديل، مما يعتبر سابقة سياسية ألمانية، فإن لم تتحقق فإن إمكانية تشكيل حكومة سيكون بعيد المنال، في ظل الاختلاف مع برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، فالخيارات المطروحة، إما تشكيل حكومة يمينية، أو العودة مرة أخرى لانتخابات تجري قبلها عملية الإطاحة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، للسماح بتشكيل حكومة مع المسيحي الديمقراطي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1213