منتدى دافوس الاقتصادي.. قطب المال وقطب الشعوب

منتدى دافوس الاقتصادي.. قطب المال وقطب الشعوب

عقد المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» اجتماعه السنوي في الفترة بين 20 إلى 24 من الشهر الجاري، في سويسرا تحت عنوان «التعاون من أجل عصر ذكي».. وكان ملفتاً هذه المرة، ظهور اختلافات بالرؤى الدولية فيه بشكل أوضح، ضمن هذه الفترة التاريخية المؤقتة من «تعدد الأقطاب»، خلافاً للاجتماعات السابقة، ومنذ تأسيسه في عام 1973، التي كان يطغى عليها اتجاه قطبٍ واحد، وكان المنتدى عبارة عن تجمّع رأسمالي على طريقته، وبما يصب بمصلحة هذا القطب وحده أولاً.

حضر الاجتماع 60 رئيس دولة وحكومة، وأكثر من 350 من القادة الحكوميين و1600 من قادة رجال الأعمال بينهم 900 من الرؤساء التنفيذيين ورؤساء مجالس إدارة كبرى الشركات العالمية، وشارك 170 من قادة المجتمع المدني دولياً من نقابات عمالية وسكان أصليين ومنظمات غير حكومية، و160 من أعضاء المنتدى، منهم رواد تكنولوجيا ومبتكرين ومؤثرين، بالإضافة إلى منتدى القادة العالميين الشباب، ومؤسسة «شواب»، وغيرهم. وخلال الأيام الأربعة جرى قرابة 300 اجتماع منفصل بين هؤلاء جميعهم.
لا يمكن الإلمام وعرض تفاصيل هذه الاجتماعات جميعاً بطبيعة الحال، أو الغوص بتفاصيلها التقنية والاقتصادية، إلا أن الأحاديث العمومية، والسياسية المباشرة التي صدرت عن مختلف الرؤساء وقادة الدول، تعبّر عن تطلعات مختلف الحضور.
تقاطعت رؤى وتصريحات كلاً من الرئيس التنفيذي للمنتدى شواب، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بفكرة مفادها ما قاله كلاوس أن تطور التكنولوجيا حالياً بات عند نقطة تحول تتمثل في «عصر يتجاوز التكنولوجيا وحدها، وهذه ثورة مجتمعية لديها القدرة على رفع الإنسانية، أو حتى كسرها»، بينما قال غوتيريش بكلمته: إننا نواجه في هذه الأيام تهديدين جديدين وعميقين، هما: أزمة المناخ، والتوسع غير الخاضع للتحكم للذكاء الاصطناعي.
قد يْفهم من هذين العبارتين، إما توجه نحو محاولة «احتكار» تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أو بالفعل محاولة التحكّم بها بما يخدم مصلحة البشرية جمعاء، وهو ما نرجّح معانيه بالاستناد إلى التصريحات المختلفة الأخرى، والمواقف السياسية التي عبرت بمجموعها عن ضرورة التنمية دولياً ومحاربة الأمّية التكنولوجية وغيرها.
في المواقف والرؤى السياسية، وحالة الـ «تعددية القطبية» التي ذكرناها، كان واضحاً التباين بين القوى المشاركة المختلفة: الولايات المتحدة ممثلةً بدونالد ترامب، وما أطلقه من تصريحات وإعلانات حول النفط السعودي، والعلاقة مع روسيا، والتنافس مع الصين وغيرها، والاتحاد الأوروبي، ممثلاً برئيسة مفوضيته أورسولا فون ديرلاين التي قالت: إن أوروبا تتوجه للبحث عن حلفاء، مشيرة أنها ستنتهج سياسة «اليد الممدودة» مع الصين، وبراغماتية مع ترامب، والسعودية عبر وزير خارجيتها، التي أكدت ضرورة تجنب الحرب بين إيران و«إسرائيل»، وغيرها من مواقف كالصين والهند الخ، إلا أن السمة العامة كانت التأكيد على: ضرورة الحفاظ على السلم العالمي والحد من الحروب، بمقابل التوجه نحو تنمية دولية ومحو أمية تكنولوجية.
في المقابل، وعلى المقلب الأخر من الـ «تعددية القطبية» برز الـ «قطب» الأهم، وهو الشعوب، ففي كل عام من اجتماعات دافوس تقام احتجاجات عليه وحوله، بوصفه تكثيفاً ومركزاً لـ «القطب الرأسمالي» عموماً، بما يمثله ويدفع تجاه مصلحة نفسه أولاً، وفي هذا العام شارك الآلاف من المحتجين من أنحاء العالم المختلفة، وتحديداً من فئة الشباب ممن يريدون إشراكهم بصنع القرار، ومن الشعارات التي رفعت «افترسوا الأغنياء» و«افرضوا الضرائب على الأغنياء» وقال أحدهم: «نحن نحتج ضد اجتماع لوبي الأغنياء والأقوياء في دافوس. الأمر واضح، إنهم مسؤولون عن أزمات هذا العصر».
وربما، لأول مرة، كانت الاحتجاجات بمطالبها ومصالحها تتقاطع مع بعض ما ورد في دافوس كتوجهات عمومية من ضرورة التنمية والسلام، وحل الأزمات وإشراك الشباب، وربما لأول مرة نتيجة التعددية ضمن القطب الرأسمالي ومصالحه الحالية بالاستقرار دولياً، يمكن تصديق هذه التوجهات قليلاً، خلافاً للكذب والادّعاءات التي رافقت المنتدى خلال العقود الماضية بالهيمنة الغربية عليه، ومساعي الحرب والتوتير عملياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211