الانتخابات البرلمانية في ألمانيا ومأزق التبعية للولايات المتحدة
ديمة النجار ديمة النجار

الانتخابات البرلمانية في ألمانيا ومأزق التبعية للولايات المتحدة

في نهاية عام 2024 أدى احتدام الصراع بين أطراف الائتلاف الحاكم في ألمانيا، المعروف باسم ائتلاف إشارة المرور، إلى طلب التصويت على الثقة للمستشار الألماني أولاف شولتز (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) وحكومته. ولم تنجح الحكومة في اجتياز الاختبار في البرلمان، مما مهد لانتخابات مبكرة ستنظم في شباط 2025.

يلاحظ المتابع للبرامج الانتخابية وللمناظرات التلفزيونية بين مرشحي الأحزاب المختلفة لمنصب مستشار ألمانيا، أن أولوية المرشحين جميعهم، هي الأزمة الاقتصاديةـ-الاجتماعية، ومسألة السياسات الخارجية، وضمناً جانبها الأمني. وعند الحديث عن الأمن الخارجي، فإن روسيا ليست مصدر القلق الرئيسي للساسة الألمان، كما يظن القارئ، على أساس ما جرى بعد أكثر من سنتين من الضخ الإعلامي المثير للسخرية عن خوف أوروبي من احتلال بوتين لبرلين! بل إن الفزع الحقيقي الذي يمكن للمرء أن يستشعره لدى هؤلاء الساسة المطلعين على خفايا الأمور، هو حول العلاقة بالولايات المتحدة! فبعد حرب الناتو في أوكرانيا، ازدادت بشكلٍ جليّ تبعية القرار الأوروبي عامة والألماني خاصة، للولايات المتحدة. واليوم في ظل تعمق الأزمات الداخلية في ألمانيا وقدوم ترامب إلى سدة الرئاسة، تدور النقاشات حول كيفية رفع قدرة ألمانيا التفاوضية مع ترامب، الذي لا يهتم لمصالح حلفائه في ظل أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة.

المحاور التي يجري النقاش حولها

التحديات التي يتم نقاشها حول العلاقة مع الولايات المتحدة تتعلق بعدة محاور، أبرزها، أولاً: الضغط باتجاه زيادة الإنفاق على الناتو.
ثانياً: دفع ألمانيا لتخفيض علاقاتها الاقتصادية بالصين.
ثالثاً: التبعية الطاقية لأمريكا، وأسعار الطاقة المرتفعة.
رابعاً: رفع الرسوم الجمركية على البضائع الألمانية المصدرة إلى الولايات المتحدة..
ولئن كان ائتلاف إشارة المرور قد رفع الإنفاق العسكري على الناتو في 2024 لـ 2% من الناتج المحلي الإجمالي (كما تم تكريس 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني)، إلا أن ترامب اليوم يريد من دول الناتو رفع مساهمتها لتبلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. وترتبط المشكلة الأخرى في مدى ارتباط الاقتصاد الألماني بالصين، إذ تعتبر هذه العلاقة ضرورية لاستمرار عجلة الاقتصاد الألماني، فالصين هي ثاني أكبر شريك تجاري لألمانيا بعد الولايات المتحدة. ويعتمد الاقتصاد الألماني بحوالي 50.34% من الناتج المحلي الإجمالي على الصادرات، بحسب أرقام البنك الدولي (2022). مما يؤشر على حجم الارتباك في الموقف الألماني تجاه أكبر شريكين تجاريين. وفي الوقت نفسه، تؤدي زيادة تكاليف الإنتاج في ألمانيا إلى ضعف قدرة المنتج الألماني على المنافسة في السوق الدولي. على سبيل المثال: تضطر المنشآت الصناعية الألمانية اليوم إلى شراء موارد الطاقة بسعر يزيد 3 أضعاف عن تكلفة الطاقة لدى نظيراتها في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق تقول سارة فاغنكنخت المرشحة للمستشارية: «ما نريده هو سياسات خارجية تعمل لمصلحة ألمانيا، على سبيل المثال، أن نستطيع شراء الطاقة والمواد الأولية من الأماكن التي توفرها لنا بالأسعار الأرخص، ولا نريد استبدال الارتباط بالغاز الروسي بارتباط بالغاز الأمريكي، لأن الولايات المتحدة ببساطة منافس اقتصادي، فإن عرضوا علينا غازهم بأسعار رخيصة لا مانع، نحن بحاجة لسياسات مستقلة بدلا من الولاء التابع».
يُعول مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس على الموقف الأوروبي المشترك على أساس تضرر أوروبا ككل من التبعية للولايات المتحدة، وذلك عبر خطاب «حربجي»، فيقول: «يجب أن تكون لدينا خطة أ مع أمريكا وخطة ب بدونها»، ويحث على الإنفاق العسكري، وعودة التجنيد الإلزامي في ألمانيا، ويقول: «من يريد السلام فإنه موجود في المقابر» ويضيف مدافعاً عن الاقتصاد الألماني «الأولوية هي تأمين ازدهارنا وتنافسية صناعتنا. وتظل الجملة صحيحة: الاقتصاد ليس كل شيء، ولكن بدون الاقتصاد كل شيء لا يساوي شيئا».
في دوره أبدى حزب البديل من أجل ألمانيا- اليميني المتطرف- انعطافاً معنوياً في درجة الانفتاح على الولايات المتحدة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، حيث ظهرت آليس فايدل المرشحة عن حزب البديل للمستشارية في لقاء مع إيلون ماسك كالتلميذة المجتهدة تتلقى المديح على حسن سلوكها.

إن شكل العلاقة مع الولايات المتحدة سيقرر كثيراً من الأمور الجوهرية حول التطور الاقتصادي- الاجتماعي في ألمانيا، وفي أوروبا في السنوات القادمة، فالرصد السابق أوضح بشكلٍ جلي مدى راهنية هذه المسألة في السياسة الألمانية، وكيف يجري نقاشها في شرائح واسعة، وذلك يعكس بالواقع مزاجاً أوسع من حدود ألمانيا، ويتجاوزها إلى القارة الأوروبية كاملة بالحد الأدنى، لكن لألمانيا بالتحديد خصوصية عن غيرها كونها واحدة من القوى الرائدة على مستوى الاقتصادي، وحدوث تحولات بهذا الحجم في سياسات برلين يعكس حجم التحولات الجارية في العالم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211
آخر تعديل على الإثنين, 27 كانون2/يناير 2025 15:43