الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا: خطوة نحو الاستقرار الإقليمي

الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا: خطوة نحو الاستقرار الإقليمي

في خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي، توصلت كل من الصومال وإثيوبيا إلى اتفاق يهدف إلى إنهاء الصراع المستمر بينهما، وذلك بوساطة تركية. فقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق في 11 كانون الأول 2024 بعد عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة التي استضافتها تركيا، والتي تمخضت عن إعلان أنقرة عن اتفاق بين الطرفين حول قضايا شائكة تتعلق بالسيادة والمياه الدولية.

جذور الخلاف وتطوراته

بدأ التوتر بين الصومال وإثيوبيا في أوائل عام 2024 بعد أن أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم «صوماليلاند» (الذي يتمتع بحكم ذاتي) يسمح لها بالحصول على منافذ بحرية على الساحل الصومالي، وهو ما أثار غضب الحكومة الصومالية. وكان هذا الاتفاق قد نص على منح إثيوبيا منفذاً بحرياً على ساحل صومالي استراتيجي، مقابل الاعتراف بإقليم صوماليلاند كدولة مستقلة، وهو أمر ترفضه مقديشو بشدة، إذ تعتبره انتهاكاً لسيادتها على أراضيها.
ورغم أن إقليم صوماليلاند قد أعلن استقلاله عن الصومال منذ عام 1991، إلا أن المجتمع الدولي لم يعترف به بعد، مما جعل هذه الخطوة الإثيوبية تثير مزيداً من القلق في مقديشو. وبعد الاتفاق الإثيوبي مع «صوماليلاند»، تصاعدت حدة التوترات بين البلدين، وتفاقم الوضع في المنطقة، خاصة في ظل علاقات الصومال المتقدمة مع إثيوبيا، والتي تم تعزيزها منذ تولي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السلطة في 2018.

التحركات الدبلوماسية الصومالية

في مواجهة هذا التحول، كثفت الحكومة الصومالية من تحركاتها الدبلوماسية لاحتواء الموقف وحماية سيادتها على أراضيها. وقد شملت هذه التحركات تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، خاصة مع مصر وإريتريا، حيث تم عقد تحالف ثلاثي هدف إلى ضمان عدم المساس بسيادة الصومال على سواحله البحرية.
كما طالب المسؤولون الصوماليون في وقت لاحق بتغيير تشكيل قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال (AMISOM) بحيث يتم استبعاد القوات الإثيوبية، وهو ما اعتبرته مقديشو خطوة مهمة لتقوية سيادتها في ظل التأثير الإثيوبي المتزايد في المنطقة.

الدور التركي في الوساطة

من جانبها، لعبت تركيا دوراً مهماً في هذه الأزمة الإقليمية بفضل علاقاتها الجيدة مع كل من الصومال وإثيوبيا. تركيا التي تتمتع بشراكات اقتصادية قوية مع إثيوبيا، وعلاقات استراتيجية مع الصومال، حرصت على تسهيل المفاوضات بين الطرفين بهدف الوصول إلى حل شامل يضمن مصالح جميع الأطراف.
وقد نجحت تركيا في استضافة عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة بين الصومال وإثيوبيا منذ مايو 2024. وكانت هذه المفاوضات قد شهدت جواً من التوتر، إلا أن الجولة الأخيرة التي استمرت لثماني ساعات بين الزعماء كانت مفصلية في الوصول إلى الاتفاق النهائي.
في تصريحات له بعد الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق، أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالنتيجة التي وصفها بالتاريخية، مؤكداً، أن هذا الاتفاق سيشكل خطوة هامة نحو تعزيز السلام والاستقرار في القرن الأفريقي. كما شكر أردوغان الرئيسين الصومالي والإثيوبي على التزامهما بالسلام، وإبداء الاستعداد للعمل معاً من أجل تعزيز التعاون بين بلديهما.

مواقف الأطراف المعنية

في هذا السياق، أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في تصريحاته عقب توقيع الاتفاق على أن بلاده ستعمل على تنفيذ المبادرة التركية بنجاح، مشدداً على ضرورة تعزيز التعاون مع إثيوبيا، ونبذ الخلافات بين الشعبين والدولتين. وأشار إلى أن هذا الاتفاق يُعد بداية جديدة لعلاقات قوية بين الصومال وإثيوبيا، وستسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة.
من جهته، أبدى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ترحيبه بالاتفاق، مشيراً إلى أن بلاده تسعى دائماً للحصول على منافذ بحرية آمنة لضمان مصالحها الاقتصادية. وأضاف، أن الوصول الآمن إلى البحر يمثل مسألة استراتيجية لأثيوبيا ولمنطقة القرن الأفريقي بأسرها.

خطوات نحو التنفيذ والآفاق المستقبلية

تنص الاتفاقية على تشكيل لجان مشتركة بين الصومال وإثيوبيا تعمل خلال أربعة أشهر للوصول إلى صيغة نهائية تحمي حقوق الطرفين، وتضمن وصول إثيوبيا الآمن إلى المياه الدولية. ويتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيداً من التحركات من أجل تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض، وخاصة فيما يتعلق بالترتيبات اللوجستية والإدارية لضمان تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها.
إن الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا يُعد خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، التي تشهد العديد من الصراعات والتوترات. ويعكس هذا التفاهم قدرة القوى الإقليمية على حل النزاعات بشكل سلمي، ويؤكد أن المنطقة قادرة على إيجاد تفاهمات مرضية لجميع الأطراف بعيداً عن الدور الغربي التخريبي.
ختاماً، فإن نجاح هذه المبادرة يمكن أن يشكل نموذجاً يحتذى به في العديد من مناطق النزاع الأخرى في أفريقيا والعالم، ويؤكد على أهمية التعاون الإقليمي والوساطة الفاعلة في حل الأزمات الدولية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205