تشاد تعلن إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع فرنسا
أعلنت حكومة جمهورية تشاد في بيان رسمي صدر يوم الجمعة 6 كانون الأول الجاري، قرارها إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع فرنسا، حيث أكدت الحكومة في بيانها بأن هذه الخطوة جائت تأكيداً على سيادة الدولة الكاملة وحقها بتحديد شركائها الاستراتيجين وفقاً للضرورات الوطنية، هذا التحول المهم والكبير في مسار العلاقات بين البلدين يمثل نقطة جديدة من تراجع النفوذ الفرنسي بشكل خاص، والغربي بشكل عام في أفريقيا، كما شهدت تشاد مظاهرات شعبية واسعة دعماً لقرار الحكومة ورفضاً للوجود الفرنسي.
تفاصيل القرار
في منتصف هذا العام، حدث تقارب مهم بين تشاد وروسيا، حيث قام لافروف بزيارة لأفريقيا، شملت تشاد، وفي ذلك الوقت عبر الطرفان الروسي والتشادي عن رغبتهم باقامة علاقات جيدة، وأن هذه العلاقات ليست موجهة ضد أحد، وليست على حساب العلاقات مع فرنسا، ليقابل هذا التقارب في حينه بالموقف الفرنسي الذي أعلن أن تشاد: «مناطق نفوذ لفرنسا، ولا نريد أن تقترب روسيا منها». في مقابل هذه الطريقة بالنظر للدول الأفريقية بوصفها أتباعاً ومحميات استعمارية، يتطور المشروع الأفريقي بالاستقلال وبناء علاقاتهم وفق المصالح الوطنية.
في بيانها، أكدت الحكومة التشادية: أن القرار نابع من تحليل معمق للوضع، ويمثل خطوة نحو تأكيد السيادة الوطنية الكاملة لتشاد بعد مرور 66 عاماً على استقلالها. وقال البيان: «حان الوقت لكي تعيد تشاد تحديد شراكاتها الاستراتيجية وفقاً لأولوياتها الوطنية». وأشار البيان إلى أن هذا القرار- رغم أهميته- لا يمس العلاقات التاريخية وروابط الصداقة بين البلدين، مؤكدة رغبة تشاد في الحفاظ على علاقات بناءة مع فرنسا في مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك.
وبالرغم من الجهود الفرنسية في الفترة السابقة لاحتواء هذا التراجع، ومحاولة إقناع الأطراف الأفريقية بضرورة المحافظة على العلاقات الفرنسية وتهديدها بالإرهاب وانتشار العنف، تبدو على الضفة الأخرى رغبة أفريقية واضحة ببناء علاقات أكثر استقلالية، وكسر منظومة النهب والتبعية للاستعمار الغربي. حيث جاء القرار عقب لقاء جمع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الذي كان في زيارة تشمل تشاد وإثيوبيا والسنغال.
وقال وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن كلام الله في بيان نشرته وزارته على صفحتها في موقع فيس بوك: إن «حكومة جمهورية تشاد تبلغ الرأي العام الوطني والدولي بقرارها إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة مع الجمهورية الفرنسية».
اتفاقية التعاون الدفاعي
تعود جذور اتفاقية التعاون الدفاعي بين تشاد وفرنسا إلى حقبة الاستعمار، وتم تعزيزها بعد الاستقلال بتوقيع أول اتفاقية رسمية عام 1976. خضعت الاتفاقية لتحديثات متتالية، كان آخرها في عام 2019، لتشمل تدريب القوات المسلحة التشادية، وتعزيز قدراتها اللوجستية، والتعاون الاستخباراتي.
بموجب الاتفاقية، تمركزت القوات الفرنسية في قواعد عسكرية داخل تشاد، أبرزها: قاعدة جوية في العاصمة نجامينا، تضم نحو ألف جندي فرنسي. وكان معظم هؤلاء الجنود قد تم نقلهم إلى تشاد بعد انسحاب فرنسا من النيجر، في أعقاب الانقلاب العسكري هناك في 2023. حيث كان الوجود العسكري الفرنسي في تشاد مهماً باعتبارها نقطة تجمع للقوات المنسحبة من المناطق الأخرى.
أعربت الحكومة التشادية في بيانها عن شكرها لفرنسا على التعاون السابق في إطار الاتفاقية، مؤكدة احترامها لشروط إنهاء الاتفاقية، وضمان انتقال متناغم في العلاقات العسكرية. وأبدت استعدادها لبحث أشكال جديدة من التعاون تخدم المصالح المشتركة.
في سياق أوسع: التوترات بين فرنسا وأفريقيا
يأتي القرار التشادي في سياق سلسلة من التحركات الأفريقية لإنهاء النفوذ الفرنسي العسكري في القارة. فقد شهدت السنوات الأخيرة توترات متزايدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، خاصة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
بعد سلسلة انقلابات في مالي، النيجر، وبوركينا فاسو منذ عام 2020، قامت الحكومات الجديدة بطرد القوات الفرنسية من أراضيها، ما أدى إلى تراجع نفوذ باريس في القارة. كما أعلنت السنغال مؤخراً أن وجود القواعد العسكرية الفرنسية يتعارض مع سيادتها الوطنية.
تشابه خطوة تشاد قراراً اتخذته النيجر في مارس الماضي، حين انسحبت من اتفاقية تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، ووصفتها بأنها «مفروضة أحادياً».
كما يشير الخبراء إلى أن هذه التطورات تعكس رغبة الدول الأفريقية في تحقيق استقلالية أكبر في إدارة شؤونها الأمنية والدفاعية، بعيداً عن التدخلات الأجنبية.
السنغال أيضاً تشهد تحركاً مماثلاً، حيث عبّر الرئيس السنغالي باسيرو ديومايي فاي، أن وجود قواعد عسكرية اجنبية في البلاد يتعارض مع السيادة الوطنية، كما طالب فاي بضرورة تفكيك القواعد الفرنسية في البلاد وبأنه لن تكون هناك قواعد عسكرية لأي بلد أجنبي. الرئيس السنغالي الذي انتخب حديثاً في نيسان هذا العام رافعاً راية الاستقلال والسيادة الوطنية، وعدم الاعتماد على الخارج يمثل تياراً واسعاً مدعوماً شعبياً في السنغال، للمضي قدماً في مسار بناء سياسة وطنية مستقلة، وكسر النهب التاريخي.
يمثل قرار تشاد بإلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي مع فرنسا نقطة تحول هام في علاقات البلدين، وخطوة جديدة ضمن توجه أوسع في أفريقيا، نحو تعزيز السيادة الوطنية، وإعادة رسم العلاقات مع القوى الخارجية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204