صفعات جديدة يتلقاها الكيان وحالة اختلال توازن مرتقبة

صفعات جديدة يتلقاها الكيان وحالة اختلال توازن مرتقبة

لا يمكن قياس جدوى سياسية ما إلا بنتائجها، وهذا تحديداً ما يجعل الكيان في وضعٍ لا يحسد عليه، فإذا أخذنا مقطعاً زمنياً منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى وحتى الآن، لوجدنا أن دفاعات «إسرائيل» تتداعى تدريجياً، ولا نقصد دفاعات الميدان العسكري فحسب، بل يمكن رصد جملة من التداعيات الخطيرة وصلت عتبة جديدة وعلى المستويات كافة.

خلال الأيام القليلة الماضية، ظهرت تطوراتٌ جديدة تبدو كما لو أنّها تكثيف للظرف السياسي العام داخل الكيان وحوله، وسرعان ما بات بإمكاننا سماع صداها داخل صحافة العدو، حتى أن أحد الصحفيين الصهاينة حاول أن يتخيّل لو أن كائناً فضائياً يشاهد ما يجري لـ «إسرائيل» من الأعلى، لرأى وضوحاً وبحسب الصحفي ذاته «حرباً مستمرة منذ أكثر من سنة من دون أن تظهر نهايتها، وأنه لم تتحقق أي من أهداف الحرب؛ لم يطلَق سراح المخطوفين، ولم تتحقق عودة النازحين في الشمال إلى منازلهم، ولم نهزم حماس أو حزب الله، ولم نبعِد إيران عن الذين يدورون في فلكها. كما سيرى اقتصاداً [إسرائيلياً] منهاراً، والحصانة الاجتماعية في وضع من التفكك وعلى شفير حرب أهلية، والعالم المتنور يبتعد عن [إسرائيل]، وسلاح البر منهَك إلى حد كبير جداً».

فصل الجبهات

تزداد يوماً بعد آخر القناعة بأنَّ تحقيق أيّ إنجاز ملموس ومؤثر على أيّ من الجبهات سواء في لبنان أو غزّة، يرتبط بشكل مباشر بنجاح الكيان، ومن خلفه الولايات المتحدة، في فصل هاتين الجبهتين والتعامل مع كلِ واحدةٍ على حدة، لكن «الأمل» بتحقيق هذا الهدف يبدو اليوم بعيداً كلّ البعد، فالمقاومة سواء في فلسطين أو في لبنان، وبالرغم من الضربات الكثيفة التي تعرضت لها خلال الشهور والسنة الماضية، تُظهر حتى اللحظة عزماً على القتال، وتضرب جيش الاحتلال في غزة ولبنان بشكلٍ موجع، وإن كان حزب الله يملك بالفعل ترسانة أكثر تطوراً من تلك التي يملكونها في غزّة، لكن ذلك لا يلغي أن حجم الاستنزاف في غزة كبير، وتحديداً بالعناصر البشرية التي تفرض المعركة الآن تواجدهم على الأرض، حيث يكونون عرضةً لتلقي الضربات على مدار الساعة.
وعلى هذا الأساس تقول صحافة العدو: إن «الواقع الأمني الحالي في غزة هو الواقع الذي سيرافق [إسرائيل] في المستقبل المنظور»، فهل يمكن أن يتحمل جيش الاحتلال كل هذه الخسائر دون أن تتضرر بنيته بشكلٍ جسيم؟! هذا بالإضافة إلى أن قدرات الكيان البشرية لا تكفي لتعويض القتلى، وتقول التقديرات: إن حوالي 40% من المطلوبين للاحتياط لا يلتحقون، إما احتجاجاً، أو لأنهم بوضع نفسي أو صحي لا يسمح لهم بالقتال!

قرارات الجنائية الدولية والعزلة الدولية

في مقلبٍ آخر، وبعد تداولات كثيرة في المحكمة الجنائية الدولية، صدر قرار أخيراً باعتقال كلّ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المُقال حديثاً يوآف غالانت، وهو تطورٌ ملفتٌ وتاريخي على مستويين.
الأول: هو أنه يعكس مستوىً جديداً من العزلة الصهيونية عالمياً، ويُعقد مهام العاملين في سِلك الخارجية في «إسرائيل»، فالقرار يفرض نظرياً على 120 دولة هي أعضاء في المحكمة أن يعتقلوا نتنياهو وغالانت إذا ما داسوا أراضيهم، ومع أن حالات سابقة أثبتت أن الدول قد لا تلتزم بالضرورة بقرارت المحكمة إلا أن دولاً مثل: فرنسا وهولندا وإيطاليا أكدت أنّها تمتثل إلى أمر المحكمة، في سابقة تاريخية تعكس حجم أزمة العلاقات بين الكيان والدول الغربية، التي باتت مضطرة تحت ضغط عدّة عوامل أن توجّه انتقادات لـ «إسرائيل» وتتخذ إجراءات ضدها.
الثاني: هو في فهم قرار المحكمة، وهو أن المؤسسة تتأثر بشكل متسارع بالتوازن الدولي، شأنها شأن كل المؤسسات الدولية الأخرى، فقد أثبتت منذ تأسيسها أنها كانت معدّة تحديداً للضغط على أي دولة خارج الكتلة الغربية، ولكن وما أن بدأت المحكمة للتحرك ضد الكيان الصهيوني، حتى خرج رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون في شهر نيسان 2024 ليعبّر تحديداً عن الخطر الذي استشعرته الولايات المتحدة من تحركٍ كهذا، فقال بالحرف: «إذا سُمح للمحكمة الجنائية الدولية بتهديد قادة [إسرائيل] يجب أن نعلم أن أمريكا ستكون التالية، هناك سبب وراء عدم تأييدنا للمحكمة الجنائية الدولية، لأنها إهانة مباشرة لسيادتنا، نحن لا نضع أي هيئة دولية فوق السيادة الأمريكية».

الوضع داخل الكيان

على ضوء ضغوط بهذا الحجم تتعقد مجموعة من الأزمات داخلياً، فمن جهة هناك تحركات حقوقية للضغط على المحكمة العليا لإصدار أمر لإقالة وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، وذلك على خلفية عدد من الملفات التي تشير إلى تورط الأخير في استغلال صلاحياته ومنصبه لأغراض سياسية، وهو تحرك جديد يزيد الضغط على ائتلاف الحكومة الهش، الذي قد يكون انهيارها قريباً، إذا ما استمرت ضغوط كهذه بالتصاعد، وفي سياق مشابه، قدّمت النيابة العامة داخل الكيان لوائح اتهام في قضية تسريب وثائق سرية ضد أحد الناطقين بلسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتشير الكثير من التقديرات إلى احتمال تورط نتنياهو نفسه في هذه القضية، نظراً إلى أن طبيعة الوثائق والتسريبات تنسجم بشكل كبير مع توجه نتنياهو خلال السنة الماضية.

مؤشرات مثل التي جرى عرضها توضح أن قدرات الكيان العسكرية والدعم كله الذي تلقاه من واشنطن، كان كافياً لإلحاق أضرار وارتكاب جرائم قاسية ستظل حاضرة في تاريخ القضية الفلسطينية، لكن وفي الوقت نفسه، لم تستطع كل هذه الترسانة أن تكسب الحرب حتى الآن، وإن كانت الآمال داخل معسكر الشر «الصهيوني - الأمريكي» ترتبط بدرجة كبيرة بقدرة تحمل الضغوط، فيمكننا القول: إن ما نشهده الآن يؤكد أن التصدعات تبدأ وتتعمق أكثر فأكثر، وهو ما يعني أن فشل المغامرة العدوانية يقترب أكثر فأكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1202
آخر تعديل على الجمعة, 29 تشرين2/نوفمبر 2024 19:55