ليبيا على مفترق طرق: الخلافات السياسية والأمنية تتصاعد بين الفرقاء
تبدو ليبيا اليوم عالقة عند مفترق طرق، إذ تتضارب الرؤى بين الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد الليبي. ففي حين يدعو المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إلى عقد مؤتمر مصالحة وطنية حوارية وتوافق داخلي، يُصرّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، على أن الحل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال دستور توافقي يُطرح للاستفتاء الشعبي.
هذه التناقضات باتت واضحةً في تصريحات كل من حفتر والدبيبة، لتعكس انقساماً بين القوى السياسية ومؤسسات الدولة، حول الكيفية المثلى للخروج من الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد.
عن تصريحات حفتر الأخيرة
أعلن حفتر في تصريحات لوكالة سبوتنيك عن مبادرته لعقد اجتماع شامل يضم الأطراف الليبية والقبائل جميعها، بهدف الوصول إلى مصالحة وطنية، مؤكداً أنه سيقوم قريباً بدعوة الجميع للاجتماع حول طاولة حوار واحدة. يُعبّر حفتر عن قناعته بأن «مستقبل ليبيا يجب أن يكون مبنياً على التفاهم والحوار الداخلي»، مشيراً إلى استجابة إيجابية من معظم الأطراف المدعوة، وهو ما يُنظر إليه كخطوة يمكن أن تساهم في تحقيق مصالحة تفتح آفاق الاستقرار.
لكن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، يُعارض هذا المسار، ويؤكد على أن التوصل إلى حل حقيقي يتطلب دستوراً توافقياً، يُعرض للاستفتاء لضمان شرعية الانتخابات ونزاهتها، معتبراً أن الحوار المقترح من قبل حفتر قد يؤدي إلى تقليص أدوار الأطراف المتنافسة بدلاً من توحيدها.
مجلس الأمن والضغوط الدولية لتسوية الأزمة الليبية
في سياق آخر، أقرّ مجلس الأمن الدولي دعوة الأطراف الليبية كافة إلى مضاعفة جهودها لحل القضايا المتعلقة بالانتخابات، وتجنب تسييس المؤسسة الوطنية للنفط، مركّزاً على ضرورة الشفافية في إدارة عائدات النفط والغاز لضمان العدالة والاستقرار الاقتصادي. هذا الموقف الدولي يدعمه رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الذي رحب بقرار مجلس الأمن، وشدد على أهمية تنفيذ الترتيبات المالية، بما يضمن استقلالية المصرف المركزي، ودمج الميزانيات الوطنية، وهو ما قد يعزز الاقتصاد ويساهم في التنمية.
من جانبه، أيّد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري تجديد مهمة البعثة الأممية حتى مطلع 2025، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة أن يأتي الحل من توافق ليبي داخلي، بعيداً عن التدخلات الخارجية، كما شددا على أهمية إزالة العوائق التي تقف أمام الانتخابات، وضمان نزاهتها تحت إشراف حكومة موحدة.
وفي وقت سابق، وعلى إثر لقاء برعاية الخزانة الامريكية والسفارة الأمريكية في تونس وبهدف تطبيق مشروع «النفط مقابل الغذاء» أعرب النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري عن استهجانه لتدخل السفارة الأمريكية في الترتيبات المالية، حيث أكد أن «الموازنة العامة للدولة والترتيبات المالية فيها شأن سيادي بحت، ما لم تكن خاضعة لترتيبات خارجية بسبب مساعدات أو ملتزمة بقيود اقتراض».
وشدد النويري على أن «تدخل السفارة الأمريكية وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين يعد خرقاً للقوانين وإخلالا بمبدأ عدم التدخل المقرر في كافة المواثيق الدولية، الذي يعد أساس سيادة أي دولة»، كما دعا النويري محافظ المركزي ونائبه إلى «إبقاء المصرف المركزي بعيداً عن تأثير السفارات، والتركيز على أداء مهامهما بدلاً من عقد اللقاءات مع السفراء، مع الالتزام بطبيعة مهامهما كونه مؤسسة سيادية وليست سياسية».
التوترات الأمنية وتصاعد الاحتقان الداخلي
تزامناً مع هذا الجدل السياسي، تشهد ليبيا توتراً أمنياً متصاعداً، خصوصاً مع احتدام الأحداث في العاصمة طرابلس، حيث صعّدت مدينة الزنتان الواقعة غرب ليبيا موقفها ضد حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وطالبتها بسرعة الإفراج عن العميد مصطفى الوحيشي، مدير إدارة الأمن بجهاز الاستخبارات العامة، الذي خطفه مجهولون في العاصمة طرابلس. وتعرض الوحيشي، الذين ينتمي إلى مدينة الزنتان، للخطف الأسبوع الماضي بينما كان في طريقه إلى منزله عقب خروجه من عمله، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك. وأدان أعضاء جهاز الاستخبارات في غرب البلاد خطف الوحيشي، وقالوا في بيان لهم: إن هذه العملية جاءت «على خلفية التحقيقات الجارية في قضايا عدة، تتعلق بوقائع تمس الأمن القومي الليبي».
وفي خطوة سياسية تعزز مساعي الوحدة، أطلق أربعة عشر حزباً سياسياً اتحاداً جديداً باسم «الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية» بهدف دعم المصالحة الوطنية، وتوحيد الجهود السياسية، إذ شدد المشاركون على ضرورة العمل المشترك لتحقيق الاستقرار في ليبيا بعيداً عن التكتلات التقليدية.
الجزائر ودورها الداعم للاستقرار الليبي
من جانبها، تواصل الجزائر جهودها لدعم استقرار ليبيا، حيث استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، وأكد له أن الانتخابات هي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية، وتعهدت الجزائر بتقديم كل الدعم الممكن لتحقيق وحدة التراب الليبي واستعادة الأمن، وشكر المنفي الجزائر على دعمها البارز لليبيا على الساحة الدولية. كما بحث وزير الداخلية الليبي المكلف، عماد الطرابلسي، مع نظيره الجزائري إبراهيم مراد، سبل تعزيز التعاون في مجالات مكافحة المخدرات وتأمين الحدود ومواجهة تحديات الهجرة غير النظامية، وهو ما يعكس عمق التعاون الأمني بين البلدين في سبيل تأمين الاستقرار.
في ظل التطورات الأخيرة في المشهد الليبي، يتضح أن الصراع السياسي الداخلي والاختلاف في المشاريع السياسية التي يعبر عنها كل طرف أن محصلة هذه الاختلافات تدفع باتجاه إجراء خطوات ملموسة أكثر على الأرض، باتجاه الحوار والتوافق، مما يعزز من فرص التقدم نحو حلول مستدامة، وذلك في ظل مؤشرات على توافقات بين الأطراف الإقليمية المؤثرة. ومع أن الانقسامات السياسية وتعدد المؤسسات الليبية تشكلان عقبات معقدة، لكن المطلوب الآن هو أن تنتقل هذه التباينات من الصدام إلى الصراع السياسي، ما يفتح المجال أمام إعادة إشراك الليبيين بشكل الحل. فالانتخابات القادمة، التي تُعتبر الاستحقاق الأبرز، تمثل فرصة لإعادة رسم شكل الدولة الليبية وتوحيد مؤسساتها، ما يتطلب مناخاً سياسياً أكثر استقراراً لضمان مشاركة الليبيين كلهم، وإشراكهم في تقرير مصير بلادهم، بالإضافة للدور الإقليمي لمصر والجزائر، الذي يظهر بوضوح في مساعي دعم الاستقرار، إذ تسعيان لدفع العملية السياسية نحو تحقيق التوافق الداخلي، وتقليل احتمالات العنف. هذا المشهد الليبي يقف الآن عند مفترق طرق: فإما العودة إلى دائرة العنف والتوترات الأمنية، أو الانتقال بخطوات نحو مسار سياسي يحقق تطلعات الليبيين في بناء دولة موحدة ومستقرة، بما يعزز من الأمن الإقليمي، ويدعم الجهود الدولية والإقليمية لإنهاء الأزمة بشكل دائم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1200