جورجيا آخر حلقات مسلسل «الثورات الملونة»
ملاذ سعد ملاذ سعد

جورجيا آخر حلقات مسلسل «الثورات الملونة»

بات مسلسل «الثورات الملونة» قديماً ومبتذلاً بمشاهده المكرَّرة، إلّا أنّ عنوان فصلِه الجديد بات فشل هذه الاستراتيجية بنشر «الديمقراطية» حول العالم، ليكون من آخر حلقاته جورجيا، بانتخاباتها التي انتصر فيها حزب «الحُلم الجورجي».

صدرت نتيجة الانتخابات البرلمانية الجورجية التي جرت في 26 تشرين الأول الفائت، بفوز حزب «الحلم الجورجي» الحاكم بنتيجة 54.08%، بمقابل 37.58% لائتلاف المعارضة الذي يضم بصفوفه «الحركة الوطنية الموحدة» و«التحالف من أجل التغيير» و«جورجيا القوية».
بعد دأبهم سنيناً للحفاظ على حالة الخصام بين تبليسي وموسكو، ومحاولات دفع جورجيا للمواجهة العسكرية مع روسيا لمدة سنتَين منذ بدء الصراع الروسي-الأوكراني، لم يُفْضِ هذا العمل سوى إلى تغيّر إيجابي بمواقف «الحلم الجورجي» الحاكم منذ 12 عاماً تجاه روسيا، وبعيداً عن الغرب، وبمؤشرات تفيد بتوجُّه جورجيا نحو استعادة علاقاتها مع موسكو بشكل طبيعي.
لكن وسط الصراع الدولي الجاري، لم يعدْ هناك مجالٌ لأيِّ موقف محايد، شكلاً أو مضموناً، لأية دولة، وفي اللحظة التي بات هناك حاجة أمريكية لتفعيل جورجيا كنقطة توتر وصراع أخرى ضد روسيا، لم يكن من المقبول لها الرفض، لتُحضِّر تنفيذَ عملية «ملوّنة» جديدة فيها قبيل الانتخابات البرلمانية، واثقةً بقدرتها على هذا استناداً لذلك العمل القديم المستمر، والدعم السياسي والمالي لبعض الأطراف الداخلية الموالية لها.
وبعد كل ذلك، شكّلت نتيجة الانتخابات نوعاً من الصدمة لائتلاف المعارضة والأوروبيين والأمريكيين، وبنتيجة ساحقة لـ«الحلم الجورجي» ستمكّنه من تشكيل الحكومة الجورجية لوحده نظراً لتجاوزه نسبة 50%.

خطوات مكرورة

سارعت قوى المعارضة الجورجية إلى إعلانها رفضَ نتائج الانتخابات واعتبارها مزوَّرة دون أي دليل، ويتبين أن «زعيمة المعارضة» هذه المرة هي الرئيسة الجورجية فرنسية الأصل سالومي زورابيشفيلي، التي قالت «شهدنا شيئاً غير عادي، هذا كان تزويراً شاملاً» واعتبرت أن الحكومة الحالية «غير شرعية» ودعتْ، مثل كلِّ قوى المعارضة، إلى التظاهر ضد نتائج الانتخابات والطعن بها، لتشهد جورجيا احتجاجات مستمرة منذ اليوم التالي للانتخابات.
وبالتوازي مع ذلك، لم تتوانَ الدول الغربية عن دعم المعارضة الجورجية بالتصريحات المشككة بنتائج الانتخابات، وبرثاء «الديمقراطية» في جورجيا، وإعلان استبعادها عن دخول الاتحاد الأوروبي، والناتو بالتأكيد، مستقبلاً.
لكن الملفت والجديد هذه المرة، وجود قوى أوروبية معادية للسلوك الغربي عموماً، وتتخذ هنغاريا منبراً رسمياً معبراً عنها، ليعلن الرئيس الهنغاري فيكتور أوربان تهنئته لـ«الحلم الجورجي»، وزار تبليسي يومي 28 و29 تشرين الأول برفقة وزيري خارجية ومالية هنغاريا، وأشاد بديمقراطية الانتخابات.
رداً على ذلك أكد الاتحاد الأوروبي على لسان مفوَّضه الأعلى للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل أن أوربان لا يمثّل الاتحاد الأوروبي، وتأتي زيارته لجورجيا في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين.
تدل المؤشرات عموماً على أن فرص نجاح المحاولة الانقلابية الغربية في جورجيا تتضاءل، فزخمها الذي كان من المفترض أن يحدث مع اليوم التالي من نتائج الانتخابات انخفض تباعاً، دون أن يعني ذلك قبول الغرب بالأمر الواقع بعد، وأكثر من ذلك، أنّ هناك إشارات لمساعٍ لتفجير التوترات بشكل أكبر مع صدور تقارير إعلامية حول وصول قنّاصة جورجيين مدرَّبين في أوكرانيا إلى داخل البلاد، بغية استهداف المتظاهرين وإشعال الساحة، في تكرار لسيناريوهات أخرى مشابهة.
قد يكون من المبكر القول بفشل «الثورة الملونة» وحدوث انقلاب في جورجيا، إلّا أنّ المحاولة تمضي إلى حتفِها وهو ما يشكل بحدّ ذاته مؤشراً على ضعف الغربيين، وإذا ما هدأت الأمور دون نجاح هذه الحلقة، فمن الممكن نعي استراتيجية «الثورة الملونة» عموماً بعد فشلها المتكرِّر الأخير، في بيلاروسيا وصربيا ومولدوفا، وضمن عدّة بلدان في أمريكا اللاتينية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1199