في السودان... اشتباكٌ قائم واصطفافات تتّضح
يشهد السودان تصاعداً مستمرّاً في حدة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تتوالى الأحداث السياسية والعسكرية، مفضيةً إلى انشقاقات وهجمات دموية أدت إلى نزوح مئات الآلاف وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتتسارع التطورات حتى شهدنا انشقاقات داخل «الدعم السريع» مع تعقّدٍ للامتدادات الإقليمية والدولية للنزاع القائم.
الانشقاق داخل قوات الدعم السريع
أعلن خمسةٌ من أعضاء المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع انشقاقهم وانضمامهم إلى صفوف الجيش السوداني، مؤكّدين رفضهم لما أسموه طموحات قائدهم السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الاستيلاء على السلطة والسيطرة على سواحل السودان على البحر الأحمر. وبحسب تصريحات هؤلاء الأعضاء، فإن فشل حميدتي في تحقيق طموحاته كان أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب قبل 18 شهراً.
تأتي هذه الخطوة بعد إعلان قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، انشقاقه وانضمامه إلى الجيش. كما كشف محمد عثمان عمر، مدير الإدارة الفنية في إعلام قوات الدعم السريع، عن أن الإعلام الخاص بالدعم السريع يُدار بواسطة شركة «إسرائيليّة» من خارج السودان، واصفاً التسجيلات المنسوبة لحميدتي بأنها «مفبركة»، ووعد بفضح المزيد من التفاصيل.
هذا في وقتٍ تداولَت فيه مجموعةٌ من المحللين بأنّ الموجة الحالية من أعمال العنف كانت رداً على انشقاق أبو عاقلة كيكل، حيث شنت قوات الدعم السريع هجمات انتقامية استهدفت بلدات وقرى في شرق ولاية الجزيرة، مما أسفر عن تهجير الآلاف من السكان. وقد أدانت مصر هذه الهجمات بشدة، واصفةً إياها بأنها «انتهاكٌ صارخٌ لمبادئ القانون الدولي الإنساني»، وطالبت بوقف إطلاق النار وحثت على التوصّل إلى حلٍ سياسيٍ شامل يحقق تطلعات الشعب السوداني.
تأتي هذه الهجمات في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة، بما فيها عاصمتها «وَدْ مَدَنِي». وقد أعلن وزير الصحة السوداني عن مقتل 124 شخصاً وإصابة 200 آخرين في هجومٍ شنّته قوات الدعم السريع على بلدة السريحة.
قضية المعابر والمساعدات الإنسانية
تُشكّل المعابر الحدودية قضية حساسة في الأزمة السودانية، ويبدو أن لها أبعاداً سياسية وعسكرية ومثل العادة فإن هنالك من يستثمر الملفات الإنسانية لتمرير أجنداته وإيصال الدعم للفصائل والجهات المطلوب دعمها، وبغطاءٍ أممي وقرارات دولية، حيث طالبت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بضرورة تمديد التصريح للعمل عبر معبر «أدري» الحدودي وفتح طرق أخرى لإيصال المساعدات. في المقابل، أعلن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أنّ قرار فتح المعابر متروك للحكومة السودانية، رافضاً الضغط عليها بهذا الشأن.
من جانبه، أكد السفير السوداني لدى الأمم المتحدة التزام الحكومة بتسهيل تسليم المساعدات، مشيراً إلى فتح 10 معابر حدودية و7 مطارات لهذا الغرض، رغم تحذيره من دخول آلاف «المرتزقة الأفارقة» عبر معبر أدري، مما يشكل تهديداً للأمن القومي السوداني، وقال السفير: إن 30 شاحنة محملة بأسلحة وذخيرة متطورة مرّت عبر معبر أدري الحدودي، وهو ما أدى إلى تصعيدٍ خطير في الفاشر وأماكن أخرى.
تفاقم الأزمة الإنسانية
وفي السياق ذاته قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «يعيش الشعب السوداني كابوساً من العنف، إذ قُتل آلاف المدنيين ويواجه عددٌ هائل آخر فظائع لا توصف، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على نطاق واسع» كما أضاف بأن الظروف لا تسمح بنشر قواتٍ من الأمم المتحدة لحماية المدنيين.
وأفاد تقرير دولي أن الصراع في السودان أدى إلى ارتفاعٍ «مهول» في حالات العنف الجنسي، مع تحميل قوات الدعم السريع المسؤولية عن غالبية هذه الانتهاكات. ودعت الأمم المتحدة إلى التدخل العاجل لحماية المدنيين وسط تزايد النزوح والمعاناة، خاصة في دارفور وباقي أنحاء البلاد.
وأدت الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من 18 شهراً، إلى مصرع نحو 20 ألف شخص ونزوح حوالي 11.3 مليوناً آخرين، بينهم نحو ثلاثة ملايين شخص فروا من السودان، وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي وصفت الوضع بأنه «كارثة إنسانية».
عن «إسرائيل» مجدداً
في لقاء جمعه بمجموعة من الصحفيين السودانيين في أسمرا، كشف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي عن تفاصيل زيارة حميدتي إلى إريتريا في مارس 2023، حيث تحدث معه عن حاجة السودان لاستيراد تكنولوجيا زراعية من «إسرائيل». ورداً على هذا، أعرب أفورقي عن رأيه في أن السودان لا يحتاج إلى هذه التقنية، إذ يمتلك قدرات وخبرات زراعية متميزة، مشيراً إلى مشروع الجزيرة التاريخي. وفي اللقاء ذاته عبّر أفورقي عن رأيه في أن الجيش السوداني يمثل العمود الفقري للدولة، مشدداً على ضرورة دعمه لتحقيق الاستقرار في السودان. وأشار أفورقي إلى أن السودان يواجه «صراع نفوذ» تسببه تدخلات خارجية تستهدف تفكيك البلاد وتقويض مؤسساتها الوطنية.
الصراع على السلطة الدائر في السودان لم يكن حدثاً مفاجئاً لكن التطورات الأخيرة بدأت تكشف تدريجياً كيف باتت الاصطفافات الداخلية تعبّر بشكلٍ ما عن مواجهة كبرى تتجاوز الإقليم، فالدور الأمريكي و«الإسرائيلي» كان حاضراً في المشهد تاريخياً، لكنّ الإضاءةَ عليه اليوم والاشتباكَ معه وكشفَ خفاياه إنّما تعكس ازدياداً في نشاط التيار المقابل؛ ذلك الذي يرى أن تأجُّج الوضع في السودان يهدف إلى تقويض الاستقرار في منطقةٍ استراتيجية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1199