إلامَ يدعو التفكير بالضغط الغربي على تركيا؟!
تحت وطأة العقوبات الدولية والضغوط الأمريكية، تجد تركيا نفسها في مفترق طرق حسّاس، ومع تصاعد التحذيرات والعقوبات التي تلاحق علاقاتها المالية مع روسيا، يتضح أن التحدي لا يقتصر على الاختيار بين الغرب والشرق، بل يتطلب ما هو أبعد من ذلك.
تعرضت البنوك التركية مؤخراً لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة بسبب تعاملاتها مع روسيا، وبدأت هذه الضغوط بتهديدات بفرض عقوبات ثانوية على البنوك التي تواصل التعامل مع روسيا، ما دفع بعض البنوك التركية إلى اتخاذ خطوات احترازية، مثل: إغلاق حسابات الشركات الروسية، ووقف استخدام نظام الدفع الروسي «مير». وهذا النظام كان يُعتبر وسيلة رئيسية لروسيا للالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.
تركيا ليست وحدها!
لم تكن تركيا وحدها هدفاً لهذه العقوبات؛ فقد وجهت الولايات المتحدة تهديدات مماثلة للبنوك الصينية التي تقوم بتسهيل الصفقات المالية مع روسيا، مما يبرز أن واشنطن تسعى إلى تقليص قدرة روسيا على الوصول إلى الأسواق العالمية عبر شركائها الاقتصاديين، وهو ما يُعتبر جزءاً من استراتيجية أمريكية أوسع، تهدف إلى كبح الدعم المالي والتجاري لموسكو.
تأتي الضغوط الأمريكية في وقت تسعى فيه تركيا إلى الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع موسكو. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، شهدت التجارة بين البلدين ازدهاراً، خاصة في مجالات النفط والغاز. ومع ذلك، يجد البنك المركزي التركي نفسه في وضع صعب، إذ أن الامتثال لهذه التهديدات قد يحدّ من التدفقات المالية الروسية إلى تركيا، ما قد يؤثر سلباً على الاقتصاد التركي، الذي يعتمد بشكل كبير على العلاقات التجارية مع روسيا. لكن على الرغم من هذه التحديات، ترفض الحكومة التركية حتى الآن فرض عقوبات شاملة على روسيا، مشيرة إلى أهمية الحفاظ على توازن في علاقاتها مع كل من روسيا وأوكرانيا.
البحث عن بدائل
مع معطيات كهذه، تظهر الحاجة الملحة إلى أن تبدأ دول الشرق في البحث عن بدائل اقتصادية استراتيجية لتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية، والالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا.
وهذا تحوّل، ليس بسيطاً أو سريعاً، إذ يتطلب وقتاً طويلاً واستثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية، وبناء علاقات تجارية قوية بين دول الشرق، بحيث تتحول هذه الدول إلى مراكز إنتاج وتبادل للبضائع بشكل مستقل عن الغرب.
تحديات وعواقب
التحدي الرئيسي هنا، هو أن الدول التي تحاول الالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا قد تعرض نفسها لخطر قطع العلاقات مع الغرب، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمات في تبادل البضائع، وفقدان الأسواق الغربية الكبيرة. بالإضافة إلى ذلك، تظل مسألة تطوير هذه البدائل التجارية معقدة، نظراً للتداخلات القائمة بين الأسواق العالمية والحاجة- التي قد تفرض نفسها مؤقتاً- للحفاظ على علاقات اقتصادية متوازنة مع كل من الغرب والشرق.
مع ذلك، يبقى الشرق مرشحاً قوياً للتحول إلى مركز إنتاج عالمي أساسي في المستقبل، بظل التحولات العالمية الجارية ومعطياتها الحالية. وهذا التحول سيمنح الدول الشرقية ميزة إضافية تتمثل في تعزيز نفوذها على الساحة الاقتصادية العالمية، ويقلل من اعتمادها على الأسواق الغربية. ولكن، لتحقيق هذا التحول، يجب على دول الشرق تبني استراتيجيات اقتصادية أكثر استقلالية، وأن تطور سلاسل توريد قوية تربط بينها، وهذا لا شك يتطلب تعاوناً إقليمياً طويل الأمد، واستثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية.
الشرق كمركز إنتاج وتصرف عالمي
من المؤكد، أن تحول دول الشرق إلى مراكز إنتاج وتبادل ليس خياراً ممكن الحدوث بشكل فوري، بل يتطلب عملاً وتخطيطاً استراتيجياً، ولكن مع الاستمرار في الضغط الغربي، سيصبح هذا التحول ضرورة لا بد منها، لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد.
ختاماً، وبعبارة بسيطة، فإنّ مجمل المعادلات الدولية الحالية والتطورات الراهنة، تضع العملية التي دامت لعقود طويلة، والتي كان فيها الشرق مجرد سوق مرتهنٍ للبضائع الغربية، ومقيد بقيودها المالية وغيرها، في صفحات الماضي، باتجاه فتح صفحة جديدة للمستقبل، عنوانها: أن الشرق بات مرشحاً للتحول إلى قوة إنتاج وتبادل عالمية مستقلة بشكل كامل عن الغرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193