فرنسا... تعقيدات جديدة وفرز أعمق!
تعيش فرنسا واحدة من أسوأ فتراتها السياسية في الوقت الحالي، حيث تمر بأزمة سياسية وانتخابية وسط غياب ثقل واضح وحاسم في موازين القوى لأيّ من التحالفات الثلاث الحالية: الجبهة الشعبية الجديدة NFP والتجمع الوطني RN ومجموعة ماكرون، بينما يسير الرئيس الفرنسي بخطى وقرارات يائسة تحاول ضمان فرصٍ أفضل له، ضارباً عرض الحائط بنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعا إليها هو نفسه، وبالنتيجة تبنت الجمعية الوطنية مشروع قرار يهدف لعزله.
تمر فرنسا بأزمة اقتصادية وسياسية وأمنية متصاعدة، حالها كحال بقية جيرانها من الدول الأوروبية، وعليه يتصاعد الصراع السياسي بين مختلف التيارات والأحزاب داخل البلاد، وبالإمكان تسميتهم: يسار جذري كـ «فرنسا الأبية» بقيادة ميلانشون، ويسار كـ «الاشتراكي» الذي ينتمي له فرانسوا أولاند و«الشيوعي»، ويمين وسط، كـ «النهضة» الذي يقوده ماكرون، ويمين متطرف كـ «الجبهة الوطنية» الذي تقوده ماريان لوبين.
بخطوة متذاكية– أفضت إلى محاولات عزله- أقدم ماكرون قبل شهرين على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وكانت هذه أول خطوة باتجاه الأزمة السياسية. فاز بالانتخابات بالمركز الأول الجبهة الشعبية الجديدة، وثانياً مجموعة ماكرون، وثالثاً التجمع الوطني، دون أن تحقق الجبهة الشعبية الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل الحكومة، لتثبّت هذه النتيجة الأزمة الناشئة.
ثم حاول ماكرون أولاً إنكار نتائج الانتخابات لأسباب عدة دون أن يرفضها رسمياً، إلا أنه رفض لاحقاً مرشح الجبهة الشعبية لرئاسة الحكومة وتشكيلها. وقبل أسبوعين اعتمد على تحالف التجمّع الوطني صاحب الأقلية البرلمانية، ومرشحه ميشيل بارنييه! مما تسبب بردّ فعل سياسي كبير من الجبهة الشعبية الجديدة، وبدأ يدور الحديث عن مساعٍ لعزل ماكرون استناداً للدستور. رغم ذلك، رفض ماكرون لاحقاً التشكيلة الحكومية التي قدمها بارنييه على اعتبارها «أحادية اللون» لاحتوائها عدد مقاعد حكومية أكبر لصالح التجمع الوطني، بينما يتحدّث ماكرون عن «حكومة ائتلافية متوازنة».
قدّمت الجبهة الشعبية الجديدة مشروع قرارها لعزل ماكرون في الجمعية الوطنية «البرلمان» وأعلن «مكتب الجمعية» موافقته على مناقشة القرار بنتيجة 12 صوتاً مقابل 10 رفضوا، إلا أن هذا الأمر يُعد خطوة أولى من العديد غيرها، والأصعب هو إقراره من اللجنة التشريعية التي تحتوي 24 مقداً لليسار من أصل 73، وثم تصويت ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية خلال أسبوعين، فضلاً عن «مجلس الشيوح» الذي لا يحتوي أغلبية لليسار كذلك.
في الجهة المقابلة، تطالب ماريان لوبين اليمين المتطرف إجراء انتخابات برلمانية جديدة في العام المقبل. ومن الجدير بالذكر، أن قيادات بعض الأحزاب المنضوية ضمن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة أعربت عدم موافقتها تماماً على قرار عزل ماكرون، كالحزب الاشتراكي وحزب الخضر، وفي الوقت نفسه كانا قد أشارا في وقت سابق إلى أن الحكومة الائتلافية التي يريدها ماكرون من الممكن النظر بها.
إثر هذه الأحداث، شهد الشارع الفرنسي موجة من التظاهرات والاحتجاجات الواسعة ضد ماكرون وبارنييه، وتعكس المواقف السياسية المتباينة داخل الجبهة الشعبية الجديدة حالة عدم التجانس، وتباينات بمستوى جذرية الأحزاب المنضوية ضمنها، فالجبهة الشعبية هي إطار عام، يمكن أن يكون العديد من أحزابها يميلون إلى الطرف الآخر، ويعيقيون بالتالي خطوات ضرورية، لكن مسائل من هذا النمط ستكون كفيلة بتسريع عملية الفرز داخل النخب السياسية من جهة، وتعيد صياغتة علاقتها مع المجتمع من جهة ثانية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193