كابوسٌ يحاصر ماكرون في فراشه... فهل ستنفع المناورات السياسيّة؟!
أحمد علي أحمد علي

كابوسٌ يحاصر ماكرون في فراشه... فهل ستنفع المناورات السياسيّة؟!

تعيش فرنسا اليوم لحظة سياسيّة مفصلية، تحمل في طياتها تحوّلات كبيرة قد تُعيد تشكيل المشهد السياسي للبلاد بشكل غير مسبوق، فالرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه تحديّات متصاعدة على مختلف الأصعدة، يسعى لإعادة ترتيب أوراقه السياسيّة عبر مشاورات مكثفة تهدف لتشكيل حكومة جديدة، ربما ستكون الأكثر تعقيداً منذ بداية ولايته.

خطوة نحو حكومة جديدة

منذ أيام، بدأ ماكرون سلسلة من المشاورات مع مختلف القوى السياسية في فرنسا، بما في ذلك التحالف اليساري الجديد (NFP) وأطراف أخرى من اليمين والوسط. هذه المشاورات المستمرة حتى يوم الاثنين 26 آب، تعكس مدى تعقيد الوضع السياسي الحالي، حيث يحاول الرئيس ماكرون- الذي فقد العديد من أوراقه السياسية التقليدية- استقطاب دعم من أطراف أخرى، بعيداً عن الاستقطاب التقليدي بين اليسار واليمين.

ماكرون والمناورة السياسية

تعتمد استراتيجية ماكرون الحالية على محاولة استمالة القوى الوسطية وبعض الأطراف اليمينية، لتحقيق تقدم على اليسار والاستفراد بتشكيل الحكومة. لكنه يواجه تحديّاً كبيراً، حيث أن فارق المقاعد بين تحالفه وبين اليسار ضئيل للغاية. وهذا الأمر يفتح الباب أمام إمكانية نجاحه في تشكيل حكومة جديدة، وفي الوقت نفسه يفتح الباب أمام فشله بتحقيق ما يطمح إليه. وربما عدم تماسك جبهة اليسار حتى الآن يرفع من حظوظ نجاح ماكرون، لكن الاحتمالات جميعها واردة، حتى لحظة كتابة هذه المادة، ولا يمكن التنجيم و«الضرب بالمندل»!
في الوقت نفسه، يحاول ماكرون الحفاظ على تماسك كتلته الخاصة، وسط تهديدات بالانشقاق، إذا ما تم تجاهل مطالب أطراف أساسية داخلها. وهذه الاستراتيجية قد تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، إذ أن أي تحالف هشّ يمكن أن يسقط بسهولة أمام ضغوط المعارضة وتحديات الشارع.

سيناريوهات متعددة

لا يمكن التنبؤ بشكل قاطع بما ستؤول إليه الأمور. ففي حال نجح ماكرون في تشكيل حكومة قوية، يميل البعض للقول: إن مرحلة من الاستقرار النسبي ستشهدها فرنسا، لكنّها في الوقت نفسه، ستكون مؤقتة بطبيعة الحال، خصوصاً إذا ما استمرت التوترات الداخلية وتصاعدت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
أما في حال فشله في استمالة الأطراف المختلفة، ونجاح اليسار بتحديد رئيس الحكومة، فقد نجد أنفسنا أمام سيناريوهات أخرى. وفي التحليل نجد من يقول ربما تصل البلاد إلى إعادة الانتخابات، أو حتى الدخول في أزمة دستورية، وهذه بمجملها افتراضات يجد أصحابها أن بلوغ اليسار هذا المستوى في فرنسا سيجلب الويلات على البلاد وأهلها، في الوقت الذي من الممكن أن يجنّب ذلك البلاد من ويلات كبرى قادمة.

درس لأوروبا والعالم

ما يحدث في فرنسا اليوم ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل هو جزء من صراع أعمق يجتاح أوروبا والعالم، بين قوى التغيير، وقوى الحكم الناهبة والمرتهنة للخارج. نجاح أو فشل ماكرون في هذه المرحلة سيكون له تداعيات على المشهد السياسي الأوروبي ككل، وقد يحدد مستقبل الحركات السياسية في دول أخرى تشهد تحولات مماثلة، وفي أوروبا تحديداً، لأنه لطالما كان لفرنسا دوراً مفتاحيّاً في أوروبا.

كابوس يحاصر ماكرون!

ختاماً، لا بدّ من القول: إن ماكرون فشل بداية في محاولة الرهان على فشل اليسار، فعندما اتخذ قراره بحل البرلمان والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة، كان يأمل أن يخفّف خسائره، وأن ينجح بتكريس حالة من التعايش تبقيه رئيساً للبلاد، وتذهب رئاسة الوزراء إلى اليمين. لكن خيّب اليسار آمال ماكرون، وكان قادراً على التقاط اللحظة وتشكيل تحالف خاض من خلاله الانتخابات، ونجح في حجز 182 مقعداً في البرلمان.
ومع ذلك لم تنتهِ الحكاية هنا، فرغم تربع «الجبهة الشعبية الجديدة» الصدارة فإنها ما زالت بعيدة عن الأغلبية المطلقة بأكثر من 100 صوت، وأمامها تحديّات كبرى عليها خوضها ورصّ الصفوف أكثر فأكثر لكي تستكمل نجاحها.
وهنا من يسأل اليوم، إذا ما كان الأمر على هذا النحو، فإن فشل ماكرون في البداية سيقوده إلى فشل في النهاية، وأنه لا قلق على اليسار، لكن ربما سيكون من التسرّع قول ذلك، فميزان القوى في فرنسا حتى اللحظة لا يسمح بحسم الأمور على هذا النحو، غير أن الأهم من ذلك كلّه، أنه حتى بحال نجح ماكرون بما يريده الآن، فإنّ كابوساً يحيط بطبقة الأقليّة في فرنسا والنظام الذي يحميها، وهذا الكابوس لن يريح ماكرون ومن حوله حتى يستيقظون على موتهم السياسي النهائي المعلن، خصوصاً كون برنامج الجبهة اليسارية يضع الضرائب على الأغنياء حلاً أساسياً لتمويل الإنفاق العام في صالح غالبية الفرنسيين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1189