كورسك... مُبالغات كُبرى لطموحاتٍ ضئيلة
باتت تتفاعل الأحداث الأوكرانية وتتمحور حول الغزو الأوكراني لإقليم كورسك في روسيا، الذي انطلق بشكلٍ مفاجئ في الـ 6 من شهر آب الجاري، ويُستثمر إعلامياً وسياسياً أكثر منه عسكرياً أو استراتيجياً بالنسبة للصراع الروسي- الأوكراني الغربي.
شكّل الحدث وبكل تأكيد ضربة لروسيا على المدى القصير أو التكتيكي عسكرياً، إلا أن الأبعاد الاستراتيجية عسكرياً وسياسياً تُحدد بنتائجها. وما يجري التصيّد فيه إعلامياً هو الإشارة على وجود ضعف في الدفاع الروسي استخباراتياً وميدانياً، مما أتاح للقوات الأوكرانية الاستفادة من ثغرة لشنّ هجومها المفاجئ.
من يتابع الأخبار والتحليلات الأوكرانية والغربية عموماً، يجد تحيزاً ومبالغةً جنونية بهجوم كورسك، جاعلين القرّاء يتناسون خسارة أوكرانيا الجارية على طول خطّ الجبهة في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون، وهي نقاط المعركة الرئيسية.
يذكّرنا تفاعل الغرب السياسي والإعلامي مع الهجوم الجاري، بتفاعله مع الهجوم الأوكراني المضاد قبل عامين، رغم أنّ النتائج الميدانية حتى الآن بالغة السوء بالنسبة للقوات الأوكرانية، حيث خسرت قرابة نصف قواتها المشاركة في الهجوم حتى الآن: أكثر من 5000 عسكريّ، و69 دبابة، و55 مدرعة لنقل الجنود، و350 مدرعة قتالية، و5 منظومات دفاع جوي، و11 راجمة صواريخ، وغيرها. وذلك رغم هجومها بأفضل ما لديها من عسكريين وأسلحة، بما فيها الغربية والأمريكية خصوصاً، وبإشراف أمريكي وبريطاني، دون تناسي أن الجانب الروسي لم يحرك قواته الرئيسية من الجبهات الأوكرانية نحو كورسك. وإذا ما استمرّت المعركة على هذا النحو، يمكن القول: إن جبهة كورسك ستنتهي بخسارة فادحة لكييف.
لم يعلن الجانب الأوكراني أهدافه من هجوم كورسك، إلا أن أغلب المحللين أجمعوا على اثنين: وأد مسيرة المفاوضات، ودفع القوات الروسية للتراجع من الجبهات الأوكرانية نحو كورسك، بما يتيح المجال للقوات الأوكرانية بالتقدم هناك، إلا أنّ أي من هذين الأمرين لم يتحقق، بما يصب بمصلحة كييف على أي حال، وبات الحديث عن بدء المفاوضات من الجانب الأوكراني أعلى مما سبق، ولتدّعي كييف في هذا السياق، أن هجومها يهدف لكسب ورقة تفاوضية أعلى في المفاوضات، بينما تؤكد موسكو ألّا مفاوضات ستجري الآن، بما يعني إلى حين تحرير كورسك.
السؤال الأبرز حالياً هو: ما إذا كان الجانب الأوكراني– وخلفه الغربي والأمريكي خاصةً- سيقبل بنتائج المعركة. المؤشرات تُدل بغير ذلك، فالهجوم الجاري والإجهار بوجود أسلحة أمريكية، ودعم واشنطن، وسماحها المعلن للقوات الأوكرانية باستخدام هذه الأسلحة ضد روسيا، يعني أمراً واحداً: التصعيد ومحاولة جر روسيا لعمل عسكري كبير. ولا مانع بالنسبة لواشنطن والقيادة الأوكرانية الحالية باستمرار المعركة، حتى التضحية بآخر شاب أوكراني يمكنه القتال، بمقابل فاتورة الخسارة باهظة الثمن.
بوجه هذه الاستفزازات كلها، تحافظ موسكو على عقلٍ بارد قدر المستطاع، فتوسيع رقعة الحرب وزيادة حجمها يصبّ بمصلحة الولايات المتحدة، فرغم أن ضربة كورسك كان لها صدى كبير حتى داخل روسيا، إلا أن طريقة التعامل معه واحتواءه من شأنها أن تقلب السحر على الساحر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189