ليبيا… صراع على المصرف المركزي وتهديدات أمريكية!
الاضطراب، هو السمة الأساسية للمشهد السياسي الليبي، فمنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تواجه البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني العميق، وبينما تتكرر أشكال تجليات الخلافات السياسية تظهر في الآونة الأخيرة مؤشرات ذات طبيعة مختلفة، مما يؤكد اشتداد تناقضات الأزمة الليبية.
الصراع حول مصرف ليبيا المركزي
تجلى الصراع الداخلي في ليبيا بشكل خاص في حادثة اختطاف مسؤول كبير في مصرف ليبيا المركزي، حيث تم اختطاف مصعب (موساب) مسلم، مدير إدارة تقنية المعلومات بالبنك على يد عناصر مسلحة مجهولة، مما دفع المصرف إلى تعليق أنشطته حتى يتم الإفراج عن الموظف المختطف. هذا الحادث، الذي يبدو جنائياً في ظاهره، يكشف عن أبعاد أعمق مرتبطة بالصراع السياسي والقانوني في البلاد.
خلفية التوترات حول مصرف ليبيا المركزي
في عام 2014، بدأت ليبيا تشهد انقساماً سياسياً كبيراً مع ظهور حكومتين متنافستين، حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في غرب ليبيا، وحكومة الاستقرار الوطني بقيادة أسامة حماد المدعومة من خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. هذا الانقسام أدى إلى انقسام مصرف ليبيا المركزي أيضاً.
وفي العام نفسه، تم تعيين الصديق الكبير محافظاً لمصرف ليبيا المركزي من قبل المؤتمر الوطني العام في طرابلس، كما تم تعيين علي الحبري محافظاً لمصرف ليبيا المركزي من قبل مجلس النواب الليبي (في طبرق)، ما أدى إلى وجود إدارتين منفصلتين للمصرف. وبعد عدة أعوام تم الإعلان عن توحيد إدارة المصرف تحت إدارة الصديق الكبير، على الرغم من استمرار الانقسام، خاصة في مجال حصص الحكومة الوطنية وحكومة شرق ليبيا، وكذلك توزيع عائدات النفط الضخمة التي يعتمد عليها الاقتصاد الليبي بشكل أساسي.
وفي الشهر الحالي، أعلن المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي المدعوم من الدبيبة عن اتخاذه قراراً بالإجماع بتفعيل قرار مجلس النواب رقم 3/2018 بشأن انتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، وتشكيل مجلس إدارة جديد. والقرار الصادر في عام 2018 ينص على تعيين محمد عبد السلام شكري محافظاً لمصرف ليبيا المركزي.
شكري رفض تسلم مهامه إلا بعد وجود توافق بين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة (المختلف بمهامه وصلاحياته عن المجلس الرئاسي) لتفعيل قرار تكليفه. وأعلن في بيان على صفحته الشخصية على الفيسبوك، أن اشتراطه توافق الجهتين التشريعيتين جاء من أجل الحفاظ على المؤسسة النقدية من التشظي، وتأثر سمعتها أمام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم . وقال: «إن الطرق لا تتوافق مع مبادئي وعقيدتي»، مضيفاً: أن تاريخه المهني والوظيفي والأخلاقي لا يسمح له بأن يكون جزءاً من هذا «العبث».
كما رفضت إدارة مجلس المصرف الحالية القرار، باعتبار أن تعيين حاكم المصرف ليس من اختصاصات المجلس الرئاسي. كذلك عبّر رئيس مجلس الدولة الأعلى خالد المشري المنتخب حديثاً «أن مسألة إعادة تشكيل مجلس جديد للمصرف المركزي هو شأن أصيل لمجلسي النواب والدولة، ولا علاقة للرئاسي فيه، باعتباره ليس من اختصاصه».
واعتبر عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، في لقاء متلفز مع قناة المسار، أن تدخل المجلس الرئاسي في تعيينات المناصب السيادية يتجاوز اختصاصات السلطة التنفيذية.
وأضاف صالح، أن تكليف المجلس الرئاسي للشكري كمحافظ للمصرف المركزي يُعتبر محاولة لنهب المال العام وتعزيز الفساد. وحذر من أن أي تغيير في المنصب قد يؤدي إلى إغلاق منشآت النفط، ووقف تحويل الإيرادات إلى المصرف المركزي.
تصعيد جديد وتدخل خارجي
التوقيت الذي أعلن فيه الرئاسي تفعيل قرار صادر عام 2018 يخفي مجموعة من التفاصيل، حيث يعتبر عدد من المحللين أن هذه الخطوة جاءت رداً على لقاء الكبير مع عقيلة صالح، وكذلك تقاربه مع حكومة شرق ليبيا، وتصديقه على صرف مبلغ من الميزانية لصالح الصناديق الخاصة بالإعمار والتنمية، فيما يعتبر خصوم حاكم المصرف الصديق الكبير أن هذه الأموال تتجه لدعم خليفة حفتر وأبنائه، وسيتم استخدامها لمحاصرة والسيطرة على طرابلس، بينما لا ينكر الكبير هذه التحويلات، إنما يقول: إنها لصالح مشروعات التنمية.
المجلس الرئاسي، رغم جميع الانتقادات الداخلية والخارجية، ومن الأمم المتحدة، أعلن نجاح لجنة استلام وتسليم بتنفيذ قرار الإقالة وتسليم الحاكم الجديد أعماله. الأمر الذي نفاه مصرف ليبيا المركزي في بيان عبر صفحته الرسمية على منصة X (تويتر سابقاً).
والمثير للانتباه في كل ذلك، هو النشاط الأمريكي المعلن، إذ هدد المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، من «محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة» وقال: إنها «قد تؤدي إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية» وجاء ذلك بعد لقاء جمعه مع حاكم المصرف المركزي في تونس.
التصعيد يبدو محاولة للقفز فوق التوافقات السياسية الليبية، ومحاولة لخلط الأوراق، وإثارة موجة جديدة من التصعيد في بلاد بالأصل مقسمة، وتحتاج إلى خطوات حقيقية نحو تحقيق الاستقرار والوحدة الوطنية، وجود مصرف مركزي موحد يعتبر أحد أسس توحيد البلاد، لكنه اليوم خاضع للتجاذبات السياسية، داخلياً وخارجياً، ويبدو وضوحاً، أن القرار السياسي المنقسم لا يملك استقلالية كافية لإدارة المصرف المركزي وطنياً دون تدخل خارجي. المصرف يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في الأزمة الليبية، فأي حل سياسي مستدام في البلاد يتطلب معالجة مسألة المصرف المركزي وتوحيده، لضمان توزيع عادل للثروة الوطنية، وتحقيق استقرار اقتصادي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189