محاولة اغتيال البرهان ودفع الأزمة إلى الطرق المسدودة
منذ 14 شهراً، تشتعل الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي» وعلى إثر ذلك شهدت البلاد موجة نزوح كبيرة، حيث تجاوز عدد النازحين داخلياً وخارجياً 10 ملايين شخص، في ظل معارك مستمرة أوقعت عدداً غير محدد من الضحايا. في تطور لافت، بدأت قوات الدعم السريع باستخدام المسيرات في المعارك، وصولاً إلى محاولة اغتيال فاشلة للبرهان في 31 يوليو/تموز.
التتطورات مسار فاوض للحرب السودانية
شهدت الحرب عدة محاولات للتفاوض، أبرزها: اتفاق جدة، برعاية سعودية أمريكية، والذي وافق من خلاله طرفا الصراع نظرياً على حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والعمل على عدم توسيع رقعة الاشتباك، وصولاً إلى هدنة مؤقتة، وفتح الطريق لمحادثات سلام ووقف دائم للأعمال القتالية، الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ، مما سمح بتفاقم المعارك وازدياد التدخلات الخارجية. ويتضح أكثر حضور دول خارجية، تحديداً الإمارات، ودول أخرى أفريقية في دعم وتسليح قوات الدعم السريع، بمقابل مصر الداعمة للجيش، الذي حاول البرهان خلق نوع من التوازن عبر تطوير علاقات دولية وإقليمية واسعة خلال الفترة الماضية.
شهد السودان لاحقاً عدة محاولات لعقد لقاءات تفاوض أو تسوية، وصولاً إلى مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي انعقد في القاهرة الشهر الفائت، حيث اعتبر الكثيرون أنه خطوة إيجابية في مسار إنهاء الصراع، سواء بدعوة واسعة للقوى الفاعلة في الملف السوداني، حيث قالت وزارة الخارجية المصرية: إنها دعت 50 من القوى السودانية وشخصية سياسية ومدنية، وأيضاً ترافقت مع حراك مصري دبلوماسي يخص الملف السوداني.
إلا أن المؤتمر ورغم صدور بيان ختامي عنه، لا يبدو أنه قادر على تغيير مجرى الأحداث، فالقوى التي رفضت التوقيع هي تلك المرتبطة بأطراف الصراع بشكل مباشر، ولكنه مع ذلك وضع إطار سياسي يمكن دفع المتصارعين إليه عبر زيادة مستويات الضغط، وأشار البيان الختامي إلى ضرورة الوقف الفوري للحرب التي تسببت في كارثة إنسانية كبيرة، ومزقت النسيج الاجتماعي للسودان، كما تم التأكيد على أهمية مراقبة وتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار، وحماية العاملين في المجال الإنساني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين. كما أكد المؤتمر على ضرورة المصالحة الشاملة، بهدف إعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس العدالة والحرية والسلام. شدد المؤتمر على أن الحل يجب أن يكون سودانياً بحتاً، مع دور خارجي يقتصر على الدعم والمساعدة، دون التدخل في الشؤون الداخلية السودانية. دعا المؤتمر الدول الداعمة لأطراف الحرب إلى التوقف عن تقديم أي دعم مباشر، أو غير مباشر، يساهم في تأجيج النزاع.
يمكن المراهنة على رغبة مصرية جادة في حل الأزمة السودانية حلاً حقيقياً مستداماً، وذلك انطلاقاً من تضرر مصر نفسها من هذه الحرب وتبعاتها، سواء في الدور الذي يمكن أن يلعبه السودان في حال استقراره لدعم مصر في الملفات الإقليمية، أو للتخفيف من حدة التدخلات في الإقليم، عبر تجفيف بؤر التوتر التي تسعى تلك الدول لتمرير مشاريعها عبرها، بالإضافة الى التداعيات المباشرة للحرب السودانية على مصر، حيث تستضيف مصر 9 ملايين نازح نصفهم من السودان.
بالمقابل، يتم الحديث عن دعوة أمريكية لبدء محادثات سلام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في سويسرا، وتعمل مصر على إنجاح المؤتمر من خلال عقدها لقمة العلمين الرباعية، تجمع الأطراف المعنية في الصراع السوداني، كما التقى وزير الخارجية المصري مع نظيره القطري، حيث أفادت وزارة الخارجية المصرية، أن المناقشات تناولت مجموعة من الملفات والقضايا الإقليمية التي تهم الطرفين، بما في ذلك الأوضاع في اليمن وسورية والسودان ومنطقة القرن الأفريقي، فضلاً عن التوترات الحالية في منطقة البحر الأحمر.
موقف القوى المتصارعة من المفاوضات
سارعت قوات الدعم السريع لقبول عقد محادثات سلام وفق المبادرة الأمريكية، فيما اشترطت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها التشاور معها للتحضير للمؤتمر، وضرورة اعتبار المفاوضات استمرار لإعلان جدة، والتنسيق بشكل واضح مع الحكومة السودانية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب السوداني.
أتت محاولة اغتيال البرهان في هذا السياق، وليعتبرها البعض خطوة من أجل حسم الصراع بشكل عسكري من خلال ضرب قائد الجيش، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تفكك الجيش وتدمير لروحه المعنوية، مما يسهل سيطرة قوات الدعم السريع على السودان بشكل كامل، فيما اعتبر آخرون بأنه ضربة عسكرية لها صدى سياسي من خلال الضغط على البرهان والجيش للتشدد أكثر في قبول المفاوضات، حيث عبر البرهان في كلمة بعد محاولة الاغتيال بأنهم يرغبون في السلام، ولكن برؤوس مرفوعة ومنتصرة رافضاً التفاوض مع عدو يحاصر المدن وموجود في البيوت، ويقتل المدنيين، وأكد على ضرورة التنسيق مع الحكومة السودانية وعدم تبني رواية المتمردين.
رغم عدم تبني أي جهة لعملية الاغتيال، وعدم الكشف عن ملابسات العملية بشكل كامل، فالمعروف أنه تم استهداف حفل تخريج طلاب في الأكاديمية العسكرية في منطقة جبيت العسكرية المحصنة أمنياً وطبيعياً، بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وهي تبعد ما لا يقل عن ألف كم عن مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ومهما تعددت الروايات حول الجهة المنفذة، يتضح أنها محاولة لنقل الصراع لمستوى جديد، والدفع باتجاه التشدد أكثر في المواقف الرافضة للحوار والتفاوض.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186