صواريخ في ألمانيا وأصوات سباق التسلّح و«الحرب الباردة» تعلو من جديد!
بلغت العلاقات ما بين الولايات المتحدة وروسيا عتبة توتر جديدة، بعد إعلان الولايات المتحدة عن خطط لنشر صواريخ بعيدة المدى توما هوك وفرط صوتية- في ألمانيا، بدءاً من العام 2026. وبينما رحبّت ألمانيا بالخطوة الأمريكية زاعمةً أنها جاءت ردّاً على انسحاب روسيا من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى؛ أطلقت الأخيرة تحذيراتها وهدّدت بفعل جوابيّ معاكس.
معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى (INF)
لكي نفهم المسألة ضمن سياقها، لا بدّ من التوقف قليلاً عند معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى (INF)، ومجريات الأحداث المتعلقة فيها. وقعت المعاهدة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في عام 1987، وكانت تهدف إلى القضاء على الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة التي تطلق من الأرض، ويتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر. انسحبت الولايات المتحدة من المعاهدة في عام 2019، متهمة روسيا بانتهاكها عبر تطوير صواريخ 9M729، وهي اتهامات نفتها روسيا واعتبرت أنها جزء من استراتيجية أمريكيّة أوسع للحدّ من قدراتها الدفاعية. وكردّ فعلٍ على انسحاب الولايات المتحدة انسحبت روسيا من المعاهدة أيضاً في وقت لاحق.
خطاب بوتين
ما بعد الإعلان الأمريكي عن نشر الصواريخ، وتحديداً بتاريخ 28 تموز/يوليو 2024، وخلال احتفال يوم البحرية في سانت بطرسبرغ، ألقى بوتين خطاباً هاماً مرتبطاً بالأمر، وحضره ممثلون من الصين والهند والجزائر. شاركت الصين بسفينة Jiaozuo، وهي مدمرة من نوع Type 052D، بينما أرسلت الهند الفرقاطة الشبحية INS Tabar، وشاركت الجزائر بسفينة التدريب La Soummam. في الخطاب، هدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتخاذ إجراءات جوابية تشمل نشر صواريخ مماثلة قرب الحدود الغربية، محذّراً من أن هذه الخطوة تعيد إلى الأذهان أحداث الحرب الباردة. وهدفَ الخطاب بشكل مباشر إلى إبراز القوة الروسية، وتعزيز التحالفات في إطار مواجهة النفوذ الغربي المتزايد.
«ألمانيا بين نارين»!
في محاولة لتبرير السلوك الألماني، يرى البعض أن ألمانيا تجد نفسها اليوم في موقف حرج بسبب الالتزامات الدفاعية تجاه الناتو، فهي كعضو في الحلف، تعتبر جزءاً أساسياً من استراتيجية الدفاع الجماعي. لكن في الوقت ذاته، ألمانيا اعتمدت بشكل كبير على الغاز الطبيعي الروسي، وهي بذلك تكون حساسة لأي توتر قد يبقي على الاضطرابات في إمدادات الطاقة، التي تعدّ عصب الاقتصاد والمجتمع، وربما هذا بالضبط ما فتح أبواب القلق لدى الرأي العالم في ألمانيا من احتمالات زيادة التوترات العسكرية، وتصاعد سباق التسلح من جديد. فالألمان يفضلون اليوم الحلول الدبلوماسية على التصعيد العسكري، ما يضع نظام الحكم في ألمانيا تحت ضغط داخلي لتجنّب أن تصبح ألمانيا محوراً لنزاعٍ لاحق، وخصوصاً بسبب تجربة الحرب العالمية الثانية وويلاتها.
حول التبعات المحتملة
إلى جانب مخاطر الأمر على ألمانيا، هنالك مخاطر تتعدّى ألمانيا إلى أوروبا والعالم. فأولى التبعات المحتملة للخطوة الأمريكية هي الذهاب باتجاه سباق تسلح جديد بين روسيا والغرب، والذي وإنْ حدث سيؤجج المعركة العالميّة، ويزيد مخاطرها على العالم وأوروبا بشكل خاص، لأن أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا الشرقية والوسطى، ممّا يؤثر على الأمن الجماعي للاتحاد الأوروبي.
خط أحمر!
في حال نفذت واشنطن وبرلين خطتهما، والتي تعني عمليّاً وجود صواريخ يصل مداها إلى 2500 كيلو متر في ألمانيا، بينما تقع العاصمة الروسية موسكو على مسافة خط جوي مباشر يبلغ 1600 كيلومتر من برلين؛ فهذا يعني أن منشآت السيطرة الحكومية والعسكرية الروسية المهمّة سوف تقع ضمن نطاق الرؤوس الحربية الأمريكية، وهذا بطبيعة الحال يمثل خطر كبيراً على الأمن الروسي.
إنّ الإعلان الأمريكي عن نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا وتداعياته المحتملة يمثّل نقطة تحوّل مهمّة وتصعيديّة، لما له من أبعاد كبيرة وتأثيرات بظلّ التوازنات الدوليّة الجديدة، التي يشتد فيها الصراع إلى تلك الدرجة التي يكاد يصبح عندها أي ملف جديد يفتح هو بمثابة معركة جديدة إضافية لمجمل المعارك القائمة، وهي ليست معركة جديدة فقط، بل معركة تتطلب حسماً من قبل القوى الصاعدة. لهذا، وإذا أخذ المرء بعين الاعتبار حجم خطورة مثل هذه الخطوة على روسيا، يدرك أن الردّ الروسي سيكون قاسياً وصارماً بالضرورة، لأن نشر مثل هذه الصواريخ هو تهديد كبير لروسيا، ومن المؤكد أن أصحاب القرار في روسيا لن يتركون بلادهم على مرمى نيران الصواريخ الأمريكية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1186