«كونفدرالية دول الساحل» نموذجٌ بديل عن مشاريع الغرب
كنان دويعر كنان دويعر

«كونفدرالية دول الساحل» نموذجٌ بديل عن مشاريع الغرب

أعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر في 6 تموز الجاري، تأسيس كونفدرالية ثلاثية تحمل اسم كونفدرالية دول الساحل، والانسحاب النهائي من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «إيكواس» هذه الخطوة أثارت مجموعة من الأسئلة حول طبيعة هذه الكونفدرالية، وفرص نجاحها ومآلاتها، كما طرحت أيضاً أسئلة تخص الإيكواس ودورها والميزات التي تقدمها هذه المجموعة للدول الأعضاء.

ماهي «إيكواس»

تأسست المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في لاغوس يوم 28 مايو 1975، بحضور 15 دولة عضواً، منها: بنين وبوركينا فاسو وغانا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال. ولها مفوضية مقرها أبوجا، وبرلمان ومحكمة عدل خاصة و«بنك إيكواس للاستثمار والتنمية».
الهدف المعلن للمنظمة هو «تعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل التبادل التجاري وحركة مرور البضائع والأفراد بين دول المنظمة»، ومع بداية التسعيينات اتفقت الدول الاعضاء تشكيل قوة عسكرية خاصة بالمنظمة «اكوموك» تمكنها من التدخل لفض النزاعات المسلحة، وتدخلت هذه القوات في السنوات الأخيرة في عدة أماكن، مثل: ساحل العاج وليبيريا وغينيا بيساو ومالي وغامبيا.
كان الانقلاب الذي حدث في النيجر عام 2023 نقطة مفصلية في علاقة «إيكواس» مع الدول الأعضاء، فالمنظمة اعتمدت العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية في ردع الدول المخالفة لميثاقها، بالإضافة لاستخدام القوة العسكرية في بعض الأحيان. وبعد انقلاب النيجر فرضت عقوبات اقتصادية مباشرة، هددت النيجر بهجوم بري ما لم يعد محمد بازوم الرئيس المخلوع إلى السلطة، ولكن هذه التهديدات قوبلت برفض من النيجر، وبإعلان كل من بوركينا فاسو ومالي بأن أي تهديد للنيجر هو بمثابة إعلان حرب على الدول الثلاث مجتمعةً، ليتبخر التهديد لاحقاً.
لكن تطور الأحداث في هذه الدول لم يتوقف بل استمر بالتصاعد ابتداءً من الإعلان عن نيتهم تعليق عضويتهم في «إيكواس»، ثم الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس، وهو تحالف اقليمي أنشأته فرنسا عام 2014 مع موريتانيا وتشاد بهدف «محاربة الارهاب وتعزيز التنمية»، ثم الإعلان الرسمي عن الانسحاب من المنظمة في بداية عام 2024، وتشكيل قوة عسكرية مشتركة في آذار 2024. قابلت المنظمة هذه الخطوات بكثير من المرونة نظراً لمعرفة أعضائها وفرنسا من ورائهم خطورة خروج الدول الثلاث منها، فخفضت العقوبات على مالي والنيجر وجرى العمل على إيجاد حلول دبلوماسية من خلال نشاط السنغال في هذا المسار في أيار الماضي بشكلٍ خاص.

الإرهاب خطر جدّي

في المقابل، يبدو موقف زعماء الدول الثلاث واضحاً وثابتاً من خلال التأكيد على سيطرة القوى الاستعمارية، وخاصة فرنسا على قرار «إيكواس» وبأنها أصبحت أداة لتنفيذ أجنداتها، وعدم فعاليتها في مكافحة الإرهاب، الذي يعتبر أبرز التحديات للدول الكونفدرالية ودول الساحل الغربي بشكل عام، فوفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي في عام 2023، فإن الفترة الممتدة بين عامي 2007-2023 زاد فيها معدل ضحايا الإرهاب بمنطقة الصحراء والساحل بنسبة 2000%.
وحسب المؤشر ذاته، فإن بوركينا فاسو تحتل المرتبة الثانية على المستوى العالمي، إذ تقع بعد أفغانستان مباشرة، بينما احتلت مالي المرتبة الثالثة عالمياً، كما جاءت النيجر بين الدول العشر الأولى الأكثر تضرراً من الإرهاب. الأمر الذي أصبح يعتبر تهديداً وجودياً لهذه الدول، ويتطلب منها مواقف أكثر حزماً، وخطوات جدّية في مكافحة خطر الأرهاب.

إعلان الكونفدرالية

جاء توقيت إعلان تأسيس الكونفدرالية قبل يوم واحد من انعقاد المؤتمر ال 65 لـ «إيكواس» الذي كان من المفترض أن يناقش العلاقة مع الدول المنسحبة، القمة التي شهدت تفاوتاً في مستوى تمثيل الدول فيها لم يصدر عنها الكثير حول الكونفدرالية الجديدة، في خطوة اعتبرها الكثيرون مؤشراً على عدم توافق قادة الدول على صيغة مشتركة، وهو ما يهدد بقاء هذه المجموعة بشكل موّحد، خاصة إذا أحرزت الكونفدرالية تقدماً في مهامها.
أهم ما جاء في إعلان الكونفدرالية هو تنسيق الدبلوماسية، وتوحيد المواقف في الساحات الدولية، بالإضافة إلى إنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات التي تهم مصالح الدول الاعضاء، وإعادة اعتماد قِيمٍ من قبل الدول الثلاث تحترم الخصوصية التاريخية والثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة، بالاضافة الى العامل المهم، وهو توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب. كما تم تعيين العقيد هاشمي غويتا رئيس مالي الحالي رئيسا للكونفدرالية لمدة عام واحد.
إصرار كل من الدول الثلاث على ايجاد صيغة جديدة للتعاون سيظهر مدى قدرة قادة البلاد على استثمار الدعم الشعبي، والتحالفات الدولية لتحقيق أهداف تحالفهم، وهو ما سيفتح الباب واسعاً للمقارنة بين التحالفات الجديدة، والأشكال السابقة للمجالس، وأشكال التعاون بين الدول التي كان يرعاها ويضع أهدافها الغرب، فعلى الرغم من أن الدول الثلاث هي دول حبيسة لا تملك إطلالة على المحيط الأطلسي، ولكن حجم التداخل الاقتصادي بينها وبين باقي دول المنظمة يجعل من الصعب جداً عزلها، وخصوصاً مع مساحة كبيرة تمتد إلى 2.781 مليون كيلومتر مربع، مع عدد سكان يصل إلى 72 مليون نسمة.

تعاني دول الكونفدرالية من مشاكل مع جيرانها في الإقليم، خاصة مع الجزائر والمغرب وبنين، وباختلاف طبيعة المشاكل بين كل دولة من هذه الدول، وبالرغم من محاولة البعض تضخيمها وأنّ حلّها مستحيل، ويهدد استقرار التحالف، إلا أن الأخبار الواردة حول دور الوساطة الذي تؤديه الصين في حل الخلاف الحاصل بين النيجر ودولة بنين، حول تصدير النفط النيجري من خلال سواحل بنين، تسمح لنا باستنتاج، أن المشاكل تجري معالجتها بالطرق الدبلوماسية، وبعيداً عن صخب الاستعراضات الإعلامية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183