قضايا الشرق ... أخطأت رأس ترامب... ولكن؟!

قضايا الشرق ... أخطأت رأس ترامب... ولكن؟!

المعروف أن الظروف الداخلية للدول تؤثر بشكل حاسم في كثيرٍ من الأحيان على سياساتها الخارجية، هذه القاعدة تنطبق على الدول كافةً، بغض النظر عن حجمها وطبيعة دورها، لكن فهم تلك الظروف يبدو أكثر أهمية عند الحديث عن قوى إقليمية، أو قوى عظمى، تلك التي يمتد تأثير ما يجري داخل حدودها إلى أقاصي بقاع الأرض.

في يوم السبت 13 تموز الجاري، نجا المرشح الرئاسي والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من محاولة اغتيال في ولاية بنسلفانيا، فالرصاصة أخطأت رأسه وأصابت الجزء العلوي من أذنه اليمنى، قبل أن يتمكن أحد قناصة جهاز الخدمة السرية من قتل الفاعل على أحد الأسطح القريبة من مكان التجمع! ترامب نهض بعد دقيقة محاطاً بمرافقيه مدمى الوجه، ورفع قبضته عالياً، وصرخ «قاتلوا... قاتلوا... قاتلوا».
الضجيج الذي رافق الحدث، كان كما هو متوقع متمحور حول الفاعل ودوافعه، أو البحث عن أشخاص محتملين يمكن أن يكونوا خلفه، لكن بعيداً عن تفاصيل قد تظلُّ مجهولةً، يظهر ما جرى مستوىً مرتفعاً للغاية من الصراع داخل الولايات المتحدة، ولا ضرورة حتى لإثبات أن الصراع ليس بين مرشحين للرئاسة، بل بين تيارات لم يعد بالإمكان حتى تأطيرها على أساس التقليدي «ديمقراطي» أو «جمهوري».
فهم جذور هذا الصراع مسألة معقدة، لكنها ترتبط أولاً بأزمة عامة تعيشها الرأسمالية العالمية والولايات المتحدة هي واحدة من أكثر المراكز الإمبريالية تأثراً فيها، الأزمة شكّلت ضغطاً مستمراً منذ سنوات، بدأت نتائجه تظهر أمامنا، فالولايات المتحدة ومع تضاؤل دورها على المسرح العالمي، وفي محاولتها التخفيف من حدّة الأزمة، وجدت نفسها تعمل على سحق الخصوم العالميين الآخرين، وتفتيت دولهم والسيطرة على مواردهم، واشتبكت تدريجياً مع عدد كبير من الخصوم الذين أثبتوا أنهم مستعدون للدفاع الحقيقي عن أنفسهم، معركة الدفاع المستميتة هذه حرمت الولايات المتحدة من «الأوكسجين» الذي تحتاجه، ما بدأ يفعل فعله بشكلٍ واضح داخل حدودها.
الرصاصة التي مرت على بعدِ سنتيمتراتٍ قليلة من رأس الرئيس السابق، بعد أن أطلقها شاب في العشرين من عمره منتسب للحزب الجمهوري، هي تعبير عن درجة سخونة المشهد، وتأكيد أن احتواء الصراع الداخلي لم يعد ممكناً بالوسائل التقليدية، الرصاصة وإن لم تصب ترامب، إلا أنها فتحت الباب على موجة جديدة من التصعيد وردود الفعل، ما يضعنا أمام مشهد معقد داخل الولايات الأمريكية، ولكنه في الوقت نفسه يفسح المجال واسعاً في العالم لتوجيه الضربات المتتالية لأمريكا ودورها المشؤوم، اللحظة الحالية هي لحظة تاريخية تجعل تأثير كل ضربة للقوات الأمريكية في الخارج ذات تأثير مضاعف، لحظة تسمح لنا أن نؤكد مجدداً: أن إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بات مهمة ملحة وممكنة التحقيق!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2024 15:05