زيارة أوربان لروسيا: تيارٌ «مُخيفٌ» يشقُّ طريقه في أوروبا!
في وقت تشهد فيه السياسة الأوروبية تعقيدات متزايدة، يحاول بعض القادة الأوروبيين تبني مواقف أكثر استقلالية، وفي هذا السياق زار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان موسكو في خطوة غير متوقعة، ولم تمر الزيارة مرور الكرام، بل قوبلت بردود فعل عنيفة، لم تكن أهدافها التعبير عن الاستياء فقط كما يتضح.. سنناقش هذا بالتفصيل ونحاول فهم ما يجري في أوروبا الآن... أوربان يمثل من؟ وهل ما قام به مؤثر؟ وما هي أبعاده في الصراع الجاري؟
خلفية الزيارة وأسبابها
أجرى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان زيارة مفاجئة إلى موسكو في 5 تموز/يوليو 2024، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكما تبيّن، فإنّ هذه الزيارة جاءت في سياق الصراع المستمر في أوكرانيا، ومحاولات إيجاد حلّ سلمي له، حيث أعرب أوربان عن رغبته في معرفة آراء بوتين حول خطط السلام الحالية، وما إذا كان يؤمن بإمكانية وقف إطلاق النار كخطوة أولى نحو مفاوضات السلام. وأشار رئيس الوزراء المجري إلى أن الحرب في أوكرانيا أضرت بأمن واقتصاد أوروبا، وأن الحوار والدبلوماسية هما السبيل الوحيد لإنهاء الأعمال العدائية.
ردود الفعل الداخلية والأوروبية والروسية
زيارة أوربان أثارت استياءً كبيراً بين قادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، حيث شدّد كل من رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وأعلى دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على أن أوربان ليس لديه تفويض للتفاوض نيابة عن الاتحاد الأوروبي، وأن زيارته تمت في إطار العلاقات الثنائية بين المجر وروسيا فقط. واعتُبر هذا التحرك من قبلهم بمثابة تحدٍّ لوحدة الموقف الأوروبي تجاه روسيا.
موقف أوربان المتعاطف مع روسيا يتناقض مع مواقف معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهذا ما أثار جدلاً داخل المجر أيضاً، حيث كانت قد شدّدت الحكومة المجرية على أن الحلّ الوحيد للنزاع في أوكرانيا هو عبر التفاوض، وأنّه لا يوجد حلّ عسكري للأزمة.
أمّا في روسيا، فقد رحّب الكرملين بالزيارة، وأشار دميتري بيسكوف إلى أنها كانت بمبادرة من أوربان، وتم الاتفاق عليها بسرعة. وأنها الأولى من نوعها لرئيس دولة غربي إلى موسكو منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية في 2022.
تحليلات
في إطار تحليل الزيارة، تحدث بعض المحللين عن أن موسكو ستُفسرها على أنها خطوة نحو كسر العزلة الدبلوماسية التي فرضها الغرب على روسيا. وأن موسكو قد ترى في هذه الزيارة تأكيداً على أن الغرب سيضطر في نهاية المطاف للتعامل مع روسيا، حتى بعد فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية عليها. وفي هذا السيناريو يُعيد هؤلاء إلى الأذهان الفترة التي تلت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، حيث استطاعت روسيا تدريجياً إعادة بناء علاقاتها مع بعض الدول الأوروبية.
خطوة جريئة!
من الضروري عند تحليل الزيارة، الأخذ بعين الاعتبار دور أوربان وطبيعته والضغوط التي تعرّض لها، فهو معروف بمواقفه «المثيرة للجدل» والتي غالباً ما تتعارض مع توجهات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وكان قد تعرض لضغوط كبيرة من داخل الاتحاد الأوروبي، حيث انتقدته الدول الأعضاء بشدة بسبب مواقفه المتعاطفة مع روسيا. غير أنه كانت هنالك محاولات لعزله سياسيّاً، وحتى تهديدات أمنيّة عليه، وهذا ما جعل زيارته إلى موسكو تبدو كخطوة جريئة تهدف إلى كسر هذا العزل، والتأكيد على موقفه المستقل في السياسة الخارجية.
أوربان لا يمثل نفسه!
يبدو أن أوربان بنهجه هذا، لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل تياراً داخل النخب الأوروبية، تياراً بدأ يشعر بالاستياء من السياسات الحالية تجاه روسيا، ويرغب في إعادة فتح قنوات الحوار. والحقيقة أن هذا التيار لم يظهر بشكل واضح في السياسات الرسمية للاتحاد الأوروبي بعد، ولكنه موجود، ووقد يكتسب زخماً إذا ما تبين أن السياسات الصارمة تجاه روسيا ليست فعّالة كما هو متوقع.
وفي الحقيقة، يساعد هذا الفهم للمسألة في تفسير الردود العنيفة من قبل الاتحاد الأوروبي، والتي تحاول أن تقف بضراوة بوجه نشوء تيار كهذا داخل أوروبا. ولذا، فإن الانتقادات لم تكن مجرّد انتقادات بسيطة، بل تهدف فيما يبدو- وهذا الأهم- إلى إرسال رسالة قويّة لبقيّة القادة الأوروبيين بألّا يفعلوا مثل هذا. تحاول هذه الردود العنيفة إثارة الخوف لدى من تسوّل له نفسه اتخاذ خطوات مشابهة نحو روسيا، وتحدّي السياسات المشتركة للاتحاد الأوروبي. وهذا يعكس القلق العميق من احتمال تزايد الأصوات المعارضة التي قد تدعو لتغيير نهج التعامل مع روسيا داخل الاتحاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1183