من كينيا «رحّبوا بجيل التغيير»
كنان دويعر كنان دويعر

من كينيا «رحّبوا بجيل التغيير»

شهدت كينيا الأسبوع الفائت في عدد من ولاياتها احتجاجات ضد مشروع موزانة 2024، فالضغوط الاقتصادية تتزايد على البلد الإفريقي المثقل بالديون، التي بلغت 70% من الناتج المحلي الإجمالي! وفي محاولة لاحتواء الموقف، أعلن الرئيس أنّه «سمع صوت الشعب» فهل تهدأ الاحتجاجات؟

كان الرئيس وليام روتو المنتخب عام ال 2022 قد أعلن برنامجاً «مناصراً للفقراء وزيادة فرص العمل»، لكنّه على ما يبدو لم يحرز أي تقدم في تخفيض تكاليف المعيشة، بل على العكس، إذ اصطدم بمطالب المؤسسات الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي الذي وافق في عام 2021 على قرض بقيمة 2.34 مليار دولار لكينيا ليكون الهدف المعلن منه «إنعاش النمو في الاقتصاد بعد الصدمة المرتبطة بجائحة كورونا، والحد من نقاط الضعف المتعلقة بالديون، من خلال ضبط أوضاع المالية العامة لعدة سنوات، عبر زيادة الإيرادات مع التحكم في النفقات».
فالصندوق الدولي يفرض شروطه على البلاد لأجل خفض الإنفاق وزيادة القاعدة الضريبية، وكان قرار السلطات هو الخضوع لتلك المطالب، وتمرير مشروع الموازنة في البرلمان بقراءتين رغم الرسائل الشعبية التي كانت واضحة، بأن قرار الموازنة لن يمر، ولن يخدم الاستقرار في البلاد، ولكن إصرار البرلمان الموافقة على المشروع وتمريره للرئيس لكي يقره أطلق شرارة بدء الاحتجاجات.

«الصولجان بيد الشعب»

انطلقت الاحتجاجات في العاصمة نيروبي ومجموعة من الولايات الأخرى منددة بخضوع الحكومة لشروط صندوق النقد الدولي، حيث رفع المحتجون لافتات «كينيا ليست فأر تجارب لصندوق النقد الدولي»، ورافضة للضرائب الجديدة على الخبز وزيت الطهي والتحويلات المالية، ومجموعة واسعة من السلع والخدمات في محاولة للحصول على مبلغ 2.7 مليار دولار. وقد حاولت الحكومة ومجلس النواب المناورة لتلغي بعض الضرائب، ولكن لم تفلح هذه الألاعيب في التأثير على المتظاهرين الذين استمروا في حركتهم واقتحموا البرلمان واستولوا على الصولجان، رمز الشرعية والسيادة الوطنية في رسالة واضحة بأن السلطة يجب أن تكون في يد الشعب.
الحكومة استخدمت العنف ضد المحتجين، وقتلت 23 شخصاً، وبلغ عدد الجرحى 30 جريحاً، بحسب تصريح نقابة أطباء كينيا. رغم القمع الدموي أصر المحتجين في جميع دعواتهم على سلمية احتجاجاتهم، وبأنهم لن ينجروا للعنف، وذلك رغم غياب قيادة سياسية للاحتجاجات، وعدم انخراط أحزاب المعارضة التقليدية فيها.
الشريحة الأكبر من المشاركين كانت من الشباب، الذين يطلقون على أنفسهم اسم «الجيل الأخير» أو «جيل التغيير». هؤلاء الشباب هم فئة من المتعلمين، وأصحاب خبرات خاصة في المجال التكنولوجي، إذ أفشلوا محاولة الحكومة قطع الانترنت عن البلاد بعد أن أعاد هؤلاء الشباب الشبكة للعمل، وكان لمجموعة منهم الفضل في نشر تفاصيل الاتفاق مع الإدارة الأمريكية في زيارة الرئيس الكيني الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وغيرها من التفاصيل الحكومية، التي تحوّلت إلى إشارة للقائمين على السلطة، بأن الشعب يعرف ما تحاول الحكومة إخفاءه، هذا بالإضافة إلى تعاطف المحتجين والناشطين الأبرز من جيل التغيير مع القضية الفلسطينية بما يتناقض مع موقف الرئيس، الذي زار حائط المبكى في الأراضي المحتلة في بداية السباق الرئاسي.

«رحّبوا بجيل التغيير»

في بيان تداوله المحتجون، وجه شباب كينيا رسالة إلى سفراء الدول الأجنبية، والمقصود الدول الغربية كما يتضح من نص الرسالة، حيث جاء في بعض أجزائها ما يلي:
«لم تكونوا على قدر المسؤولية عندما كنا بحاجة لكم، واليوم تقدمون أنفسكم كأصدقاء وشركاء، نحن نعرف بأنكم السبب الرئيسي في المشاكل التي نواجهها، وقد فرضتم علينا قروضاً لم نوافق عليها، أرسلتم 400 شاب إلى هاييتي للموت، قادتنا الدمى، قدموا الكثير من التنازلات لإرضائكم. فلترحّبوا بجيل التغيير، التحديات التي نواجهها اليوم نابعة من قراراتكم الجماعية والتاريخية المختلفة، مثل: تقسيم إفريقيا وإنشاء حدود لا معنى لها في القارة. لقد حافظ القادة الحاليون على الإرث الذي خلّفه الاستعمار، وتمسكوا بشكله الحديث». واختتمت هذه الرسالة بأسئلة حاسمة:
هل مارستم المشاركة المدنية أثناء فترة الاستعمار؟ لا، هل دعوتم إلى ضبط النفس لتشجيع الحلول السلمية؟ لا. لذا «أرجوكم أن تعذرونا ونحن نعيد ترتيب بلادنا».

موقف مجلس الحكماء

يعتبر مجلس الحكماء في كينيا «حراس الوطن الروحانيين» وهم مجموعة من الحكماء يقطنون جبل كينيا ولديهم نفوذ واسع جداً ضمن المجتمع الكيني، ولا يتدخلون في القضايا السياسية ما عدا تلك المتعلقة بمصير البلاد، لذلك قاموا بالصلاة والصيام نصرة للشباب الكيني و«ليحل غضب الله على خائن الأمانة». وقال نائب رئيس مجلس الحكماء «موثوغا وا كيرندي»: «نحتاج للسلام في البلاد، ونطالب أطفالنا إيقاف استخدام القوة التي لديهم في الوقت الحالي، وأقول لكم: لقد نجحتم وأبلغتم الرسالة للرئيس وقد تراجع عما كان سيفعله، نأسف عن أبنائنا وأحفادنا الذين سقطوا في مواجهات يتحمل مسؤوليتها الرئيس والمفتش العام».

كينيا حليف رئيسي خارج الناتو

سعت واشنطن إلى تعزيز حضورها في كينيا، ففي زيارة الرئيس الكيني وليام روتو إلى الولايات المتحدة، وهي الأولى لرئيس إفريقي منذ ما يقارب الـ 15 عاماً، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عزمه منح كينيا صفة «حليف رئيسي من خارج حلف الناتو» لتكون بذلك أول دولة من جنوب الصحراء الإفريقية تنال هذه الصفة.
وتهتم الولايات المتحدة بهذا البلد لعدة أسباب، تتعلق بموقعه الجيوسياسي وقربه الجغرافي من ملفات ساخنة في السودان وإثيوبيا والبحر الأحمر ورواندا والصومال، كينيا التي تحوي قاعدة عسكرية أمريكية الهدف المعلن لنشاطها هو محاربة الإرهاب في الصومال، تحاول أيضاً أن يكون لها حضور إقليمي أكبر، فقد كان لها دور في اتفاق هش في بريتوريا الذي أنهى الصراع في الشمال وإثيوبيا في إقليم تيجراي، وبعد ظهور أنباء عن إمكانية إنهاء الوجود الأمريكي في القاعدة في جيبوتي، سعت كينيا لاستقبال هذه القوات. ترغب واشنطن من خلال هذه العلاقات تحصين علاقاتها مع كينيا بوجه تعاظم النفوذ الصيني هناك، وخوفاً من حدوث تقارب أكبر مع روسيا والصين كحال باقي الدول الإفريقية، من خلال تقديم بعض «المميزات والهدايا» العسكرية والأمنية والسياسية.
العلاقات مع الولايات المتحدة أدت إلى توريط كينيا في ملفات شائكة لا ترتبط بمصالحها الحقيقية، وهو ما أشارت له رسالة «جيل التغيير» فالحكومة في كينيا عقدت اتفاقاً مع الولايات المتحدة، أرسلت بموجبه جنوداً إلى هاييتي، لكن المنافع من العلاقة مع الصين مثلاً كانت قوية إلى تلك الدرجة التي لم يستطع النظام القائم تجاهلها، وتعتبر كينيا عقدة أساسية في مشروع الحزام والطريق الصيني، وعلى هذا الأساس بنت الصين سكة حديد نيروبي ومومباسا، وهو أكبر مشروع بنية تحتية في البلاد منذ الاستقلال، بالإضافة إلى استهداف عدة مشاريع للبنية التحتية.

الأحداث الأخيرة هي حلقة جديدة من سلسلة أحداث في إفريقيا، فبالرغم من أن فهم المشهد تماماً لا يزال مسألة صعبة، إلا أن الناظم الأساسي لهذه الأحداث هو تثبيت التراجع الأمريكي، وظهور تيار شعبي واضح يعمل على كسر تلك الحلقة المخفية بين الأنظمة الإفريقية التابعة والمستعمرين القدامى، في القارة، فهذا الهدف يبدو جامعاً من البحر الأحمر شرقاً حتى الأطلنطي غرباً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1181