من إفريقيا... كيف يُدير الغرب هجومه المضاد؟
كنان دويعر كنان دويعر

من إفريقيا... كيف يُدير الغرب هجومه المضاد؟

تلقى الغرب والولايات المتحدة ضربات متعددة في إفريقيا، وبالرغم من أن الخسائر التي لحقت بهم كانت ملموسة ونوعية في بعض الأحيان، إلا أن هذا لا يمنعهم من محاولة إعادة توتير الأجواء وتوجيه ضربة مضادة لخصومهم.

رد الفعل الغربي على التعاون الإفريقي مع روسيا والصين اقتصر إلى الآن على العقوبات والتهديد وتغذية النزاعات ضمن الدول نفسها ومع جيرانها، ويبدو أن محاولة جر الدول لحروب بالوكالة لم تنجح، كما رأينا في محاولة دفع دول غرب إفريقيا لتنفيذ عملٍ عسكري ضد انقلاب النيجر والتهديد بالاجتياح العسكري، وما رافقه من مهل زمنية وإنذارات، وفي النهاية، لم يتحقق شيء من ذلك، ليبقى الخيار الغربي محصوراً بالاعتماد على التنظيمات المحلية، والاقتتال الداخلي، وتغذية الجماعات الانفصالية والإرهابية.
هذا النهج، وإن أظهر بأن قدرة الغرب لا زالت مرتفعة على التوتير والتخريب، إلا أنه لا يحمل مشروعاً بديلاً، ولا يوجد في جعبته سوى التفتيت والدمار، وإعاقة مساعي الدول الإفريقية لإقامة علاقات متوازنة تضمن مصالحها.

رد غربي على الانتكاسات الأخيرة

تتصاعد الأعمال الإرهابية وتتوزع في عدد كبير من الدول الإفريقية، وتبدو إذا ما تابعناها بشكل منفصل بأنها «أعمال محلية» ترتبط بصراعات عرقية أو دينية! ولكن بالنظر إلى المشهد كاملاً يتضح أن درجة العنف والصراع ازدادت مؤخراً، وترتفع أكثر على ضوء تسارع التقارب الإفريقي مع القوى الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين.
المشهد يبدو معقداً، والصراعات متداخلة ومتشابكة، وما يزيده تعقيداً أن أغلب الصراعات تستند لفوالق متعددة لم يتم حلها بالفترة الاستعمارية السابقة، بل على العكس جرى تكريسها وتحويلها لصواعق انفجار جاهزة عند الحاجة، وعلى ما يبدو حانت لحظة استثمارها بالشكل الأقصى، حيث يقف الغرب عاجزاً عن تقديم أي بديل حقيقي عن التقارب الروسي الصيني مع الدول الإفريقية، إلا إثارة المزيد من الفوضى.
فقد شهدت دولة تشاد انفجاراً ضخماً جداً في أحد مستودعات الأسلحة، كما فجرت «جبهة التحرير الوطني» في النيجر أنبوباً للنفط ممولاً من قبل شركة صينية، والهدف المعلن من قبلها تعليق العمل بالمشروع، وإلا فإنهم سوف يستهدفون جميع الأصول النفطية. كذلك وردت تقارير أظهرت تقدم حركة «أم 23» باتجاه مدينة غوما عاصمة شمال كيفو، في جمهورية الكونغو الديمقراطية مما دفع الرئيس تشيسكيدي للبحث عن حلول من خلال التعاقد مع شركات حماية وتدريب.
كما تشهد بوركينا فاسو تصاعد الهجمات الإرهابية في المناطق الشمالية، وعلى الحدود مع النيجر، وترافق ذلك مع شائعات حول تمرد ضمن صفوف الجيش، مما دفع المجلس العسكري لطلب مزيد من المدربين العسكريين من روسيا، بالإضافة إلى القتال المستمر في السودان.

تشاد عقدة مهمة

تعتبر تشاد آخر معاقل القوات الفرنسية والأمريكية، بالإضافة للقوات المنسحبة من النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغيرهم من الدول التي أعادت تمركزها في دولة تشاد، ولكن بدأت هذه الدولة بتطوير علاقاتها مع روسيا منذ زيارة الرئيس محمد إدريس ديبي إلى موسكو، وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة إلى تشاد.
إن الانتقال في العلاقات الذي تشهده تشاد هو مثال واضح جداً عن التغييرات التي تجري في إفريقيا والعالم، فدولة تشاد لديها ارتباطات بأجندة غربية ليس المقصود هنا على المستوى الحكومي السياسي، بل نتحدث عن ارتباط منظومة كاملة بأجندات ومصالح متشعبة، هذه بالذات التي يجري تحللها وتغييرها.
الملفات المتشابكة بين تشاد وليبيا والسودان وباقي الدول الإفريقية المجاورة، جعل حل أحد هذه الملفات يتطلب توافقات بالحد الأدنى مع عدة قوى. كمثال عن هذا التعقيد، فإن تشاد شهدت كما ذكرنا انفجاراً ضخماً في مستودع أسلحة، حيث اعتبر البعض أن الجيش السوداني هو المسؤول كونه يتهم تشاد بتسليح قوات الدعم السريع بتمويل إماراتي وتنسيق ليبي. ومن جهة ثانية، قام مسؤول سوداني بزيارة رسمية إلى النيجر وبوركينا فاسو، وهما الدولتان اللتان ترتبطان بعلاقات جيدة مع موسكو، الهدف المعلن من الزيارة هو إيقاف «الإمدادات البشرية والعسكرية التي تتلقاها قوات الدعم السريع من جهات ضمن هاتين الدولتين» باختصار فإن مجمل العلاقات والاصطفافات في الدول الإفريقية، هي ليست مع/ضد، غربي/روسي، أو أي تقسيم آخر، فالمشهد معقدٌ، ويحتاج إلى تفكيك، والدفع باتجاه حل المشاكل من خلال الحوار، خاصة بين الدول المتنازعة، فالحروب لم تقدم لإفريقيا سوى الويلات والدمار واستمرار النهب للثروات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1180